أصاب طالب لجوء أفغاني يبلغ من العمر 17 عامًا خمسة أشخاص بجروح على متن قطار في فورتسبورغ، بافاريا، وهو يلوِّح بفأس ويصرخ "الله أكبر". وقد أردى رجال الشرطة المهاجم بعد أن اندفع تجاههم حاملا الفأس.
وكان المراهق الذي طلب اللجوء إلى ألمانيا بعد وصوله إلى أراضيها في حزيران/يونيه كقاصر غير مصحوب بذويه قد وُضع مع أسرة حاضنة قبل أسبوعين فحسب من الهجوم، كمكافأة على "اندماجه الجيد" في المجتمع.
وقال وزير الداخلية البافاري 'يواخيم هيرمان' (Joachim Herrmann) إنَّ الشرطة قد عثرت على علم تنظيم 'داعش' مرسوماً باليد في غرفة المراهق في منزل الأسرة الحاضنة في بلدة أوكسنفورت القريبة. كما عثرت على رسالة وداع كتبها المراهق لوالده يقول فيها: "صلِّ من أجلي الآن كي أتمكن من الانتقام من هؤلاء الكفَّار. صلِّ من أجلي كي أذهب إلى الجنة".
وبعد وقت قصير من وقوع الهجوم، نشر تنظيم 'داعش' تسجيل فيديو يُزعم أنَّه يُظهر طالب اللجوء الأفغاني وهو يحمل سكينًا ويُطلق التهديدات ضد ألمانيا:
"باسم الله، أنا جندي من جنود الخلافة، وسوف أشنُّ عملية استشهادية في ألمانيا.
"وها أنا. لقد عشت بينكم، وسكنت في بيوتكم. وخطَّطت لهذه العملية على أراضيكم. وسوف أذبحكم في بيوتكم، وفي الشوارع.
"سوف أجعلكم تنسون تلك الهجمات المذهلة في فرنسا، إن شاء الله.
"سوف أقاتل حتى الموت، إن شاء الله. سوف أذبحكم بهذا السكين، وأقطع رؤوسكم بهذا الفأس إن شاء الله".
وفي تسجيل الفيديو، عرَّف تنظيم 'داعش' المهاجم باسم 'محمد رياض'، الذي كان يتحدَّث بلغة الباشتو في التسجيل، وهي لغة مستخدمة في أفغانستان وباكستان وإيران. ولكن وسائل الإعلام الألمانية حدَّدت هوية المراهق على أنَّه 'رياز خان أحمدزاي' (Riaz Khan Ahmadzai). ويُثير هذا التناقض تساؤلات عن هوية المراهق الحقيقية.
فقد عثرت الشرطة على بطاقة هوية باكستانية في غرفة الشاب، الأمر الذي يؤدي بالبعض إلى الاعتقاد بأنَّ المراهق ربما قد كذب في ادعائه أنَّه أفغاني من أجل تحسين فرصته في الحصول على اللجوء. وفي العموم، تصنِّف السلطات الألمانية المهاجرين من باكستان على أنَّهم مهاجرين لأسباب اقتصادية، والمهاجرين من أفغانستان على أنَّهم لاجئين. ولكنَّ وزير الداخلية 'توماس دي ميزيير' (Thomas de Maizière) قال إنَّه لا يوجد سبب للشك في أنَّ المهاجم كان في الواقع من أفغانستان.
وهناك أيضًا تساؤلات لم تُحسم بشأن صلات المراهق بتنظيم 'داعش'. وقال 'هيرمان'، وزير داخلية بافاريا، إنَّ تسجيل الفيديو المُذاع حقيقي: "إنَّ الرجل الذي يظهر في تسجيل الفيديو هو مهاجم فورتسبورغ". وقال مكتب المدَّعي العام الاتحادي في كارلسروه إنَّ هناك اعتقاد بأنَّ "المهاجم ارتكب جريمته بصفته عضوًا في تنظيم 'داعش'".
وعلى النقيض من ذلك، قال 'دي ميزيير' إنَّ المهاجم "ذئب وحيد" ألقى بنفسه في أحضان التطرف نتيجة لتحريض وسائل الدعاية التابعة لتنظيم 'داعش'. وقال المدَّعي العام في بامبرغ، 'إريك أوهلينشلاغر' (Erik Ohlenschlager)، إنَّه "ليس لدينا دليل على أنَّ المهاجم كان على اتِّصال مباشر بتنظيم 'داعش'".
وبعد أن توقَّف قطار الدماء – قال شاهد عيان إنَّ القطار "بدا وكأنَّه مجزر متحرك" - في محطة هايدينغسفيلد بالقرب من فورتسبورغ، قفز المراهق من القطار وحاول الفرار. وعندما وجد المراهق نفسه محاطًا برجال الشرطة، اندفع تجاههم ملوِّحاً بالفأس. وأردى رجال الشرطة المهاجم لأنَّه "لم يكُن هناك أي خيار آخر".
وانتقدت عضو البرلمان عن حزب الخضر 'ريناته كوناست' (Renate Künast) استخدام الشرطة للقوة القاتلة مع المراهق. وقالت 'كوناست' في تغريدة على 'تويتر': "لماذا لم يُمكن شلُّ حركة المهاجم بدلًا من قتله؟؟؟ أسئلة مطروحة!".
وأثارت تعليقات 'كوناست' ردَّة فعل غاضبة، واتَّهمها الكثيرون بأنَّها تتعاطف مع الجاني أكثر من تعاطفها مع الضحايا. ويشير طوفان الغضب المتدفق ضد 'كوناست' إلى أنَّ الألمان قد فاض بهم الكيل من السياسيين الذين لا يخرجون عن قواعد اللياقة السياسية.
وقال 'راينر فينت' (Rainer Wendt)، رئيس نقابة الشرطة الألمانية إنَّ:
"إطلاق النار دفاعًا عن النفس مسألة ينظِّمها القانون بوضوح. لقد هوجم رجال الشرطة، واستخدموا أسلحتهم النارية للدفاع عن أنفسهم ضد خطر مباشر يهدِّد حياتهم وأطرافهم. وهذا هو واجبهم القانوني. إنَّ عضوة البرلمان عن حزب الخضر 'ريناته كوناست' ليس لديها فكرة على الإطلاق بشأن الأخطار الحقيقية التي يواجهها رجال الشرطة في عملهم".
وأضاف 'فينت' في حديثه إلى المحطة التلفزيونية 'إن24' (N24) أنهَّ:
"ينبغي ألَّا تشاهد 'كوناست' كل هذه الأفلام الرديئة. من يمكن أن يُصدِّق أن يُطلب من رجال الشرطة عندما يهاجمهم شخص يحمل فأسًا وسكينًا أن يطلقوا النار على الفأس لإبعاده من يديه؟ إنَّ ذلك الطلب لا ينمُّ سوى عن جهل وغباء.
إذا هوجم رجال الشرطة بهذه الطريقة، فلن يشرعوا في لعب الكونغ فو. وللأسف، تنتهي هذه الهجمات في بعض الأحيان بمصرع مرتكبيها. ولن يتغيَّر هذا".
وقال رئيس اتحاد الشرطة في بافاريا 'بيتر شال' (Peter Schall) إنَّه: "إذا لم يُسمح لرجال الشرطة بإطلاق النار في مثل هذه الحالات، ربَّما ينبغي عليهم ألَّا يحملوا أسلحة بعد الآن".
ودعا 'مايك مورينغ' (Mike Mohring)، وهو سياسي تابع لحزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي الحاكم، إلى تشديد العقوبات على من يعتدون على رجال الشرطة. وقال إنَّ الهجمات ضد رجال الشرطة آخذة في التزايد في جميع أنحاء ألمانيا، وإنَّ "وسيلة الردع الفعَّالة الوحيدة هي أن ينصَّ القانون على عقوبة مناسبة". كما قال إنَّه ينبغي تزويد رجال الشرطة الألمانية بكاميرات محمولة من أجل حمايتهم وحماية الجمهور.
ودعا وزير العدل البافاري 'وينفريد باوزباك' (Winfried Bausback) عضوة البرلمان 'كوناست' إلى تقديم استقالتها: "إنَّه من غير المقبول أن يكون شخص يثير الشكوك علانية حول الشرطة في مثل هذه المواقف دون أن يكون على معرفة جيدة بالأمر - كما فعلت 'كوناست' في تغريدتها - في منصب رئيس اللجنة القانونية في البرلمان".
ونأى زعيم حزب الخضر 'جيم أوزديمير' (Cem Özdemir) بنفسه بعيداً عن 'كوناست':
"لم أفهم ما كتبته في تغريدتها. إنَّها دائمًا فكرة جيِّدة أن يفكِّر المرء فيما يكتبه قبل أن يرسل تغريدة. وما الذي كان من المفترض أن يفعله رجال الشرطة عند تعرُّضهم لهجوم؟ لقد كانوا يحمون الآخرين ويحمون أنفسهم. إنَّ رأي 'كوناست' في هذه المسألة ليس رأي الحزب".
وقال 'أندرياس شوير' (Andreas Scheuer)، السكرتير العام لحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي في ولاية بافاريا، وهو الحزب الشقيق لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تقوده المستشارة 'أنغيلا ميركل' (Angela Merkel) إنَّ تعليقات 'كوناست' "شاذة". وأضاف: "إنَّ السياسة التي يتبعها الاتحاد الاجتماعي المسيحي تنصُّ على أنَّ: حماية الضحايا لها الأولوية على حماية مرتكبي الجرائم".
وكتب المعلق السياسي الألماني 'كلاوس كله' (Klaus Kelle) قائلًا:
"إنَّ رجال شرطتنا في ألمانيا يقومون بعمل ممتاز، ونادرًا ما نشكرهم على ذلك. فأجورهم منخفضة... وكثيرًا ما يتعرَّضون للانتقاد بسبب أخطاء في السياسات المتَّبعة. إنَّهم يعملون لساعات إضافية لا تنتهي، ويتعرَّضون لهجمات عنيفة، حتى في المواقف البسيطة مثل وقوف السيارات على نحو غير قانوني، وذلك جزء من الحياة اليومية التي يعيشها أبناؤنا وبناتنا الذين يعملون في خدمتنا جميعًا.
"أين السياسيون الذين يدعمون رجال شرطتنا الآن، بدلًا من أولئك الذي ينتقدونهم دون تفكير؟ السيدة 'كوناست'، هل ينطبق مبدأ افتراض البراءة على رجال الشرطة في هذا البلد؟".
وقد بدأ الآن مكتب الشرطة الجنائية في بافاريا في إجراء تحقيق داخلي من أجل تقرير ما إذا كان من المبرر أن تطلق الشرطة النار على الجهاديين.
'سورين كيرن' زميل أقدم في معهد 'جيتسون' في نيويورك. وهو أيضًا زميل أقدم في موضوع السياسة الأوروبية في مجموعة الدراسات الاستراتيجية بمدريد. تابعوه على فيسبوك وتويتر. وسيصدر كتابه الأول Global Fire في عام 2016.