قضت محكمة في ألمانيا بأنَّ ترحيل أحد ملتمسي اللجوء المرفوض طلبهم مؤخرًا إلى تونس — وهو إسلامي يُشتبه في أنَّه كان حارساً شخصيًّا لزعيم تنظيم 'القاعدة' السابق 'أسامة بن لادن' — عمل غير قانوني، وأنَّ على الحكومة إعادته إلى ألمانيا على الفور على نفقة دافعي الضرائب.
ويسلِّط هذا الحكم القضائي الضوء مرة أخرى على الخلل الذي يكتنف نظام الترحيل القائم في ألمانيا، كما يسلِّط الضوء على النظام القضائي المسيَّس في ألمانيا والذي يخوض بعض أعضائه من القضاة الناشطين سياسيًا صراعًا على السلطة مع مسؤولين منتخبين يريدون تسريع وتيرة عمليات الترحيل.
وفي 15 آب/أغسطس، قالت المحكمة الإدارية العليا لولاية شمال الراين-وستفاليا، المنعقدة في مدينة مونستر، أنَّ سلطات الهجرة في الولاية، وهي أكثر ولايات ألمانيا سكانًّا، قد تعمَّدت خداع المحاكم في الفترة التي سبقت ترحيل 'سامي العيدودي' الذي كان يعيش على نحو غير قانوني في ألمانيا لأكثر من عقد من الزمان.
وأمرت المحكمة السلطات الألمانية الاتحادية بإصدار تأشيرة سفر لصالح 'العيدودي' - الذي يُشار إليه في ألمانيا باسم 'سامي أ.' لدواعي الخصوصية - بهدف تيسير عودته إلى ألمانيا. كما أمرت المحكمة مدينة بوخوم الواقعة في ولاية شمال الراين-وستفاليا، والتي كان يعيش فيها 'العيدودي' حتى ترحيله، بتحمُّل تكاليف رحلته إلى ألمانيا.
ولا يزال من غير الواضح كيف يمكن للمسؤولين في مدينة بوخوم الامتثال لأمر المحكمة، بالنظر إلى أنَّ مسؤولين تونسيين أكَّدوا أكثر من مرَّة ألَّا نية لديهم لإعادة 'العيدودي' إلى ألمانيا.
وقد تم ترحيل 'العيدودي' إلى تونس في 13 تموز/يوليو بعد سنوات من المناورات القانونية التي سمحت له بالبقاء في ألمانيا بحجَّة أنَّه قد يتعرَّض للتعذيب في تونس. وبين عام 2006 وحزيران/يونيو 2018، نظرت المحاكم قضية 'العيدودي' أربع عشرة مرَّة، وفقًا لما ذكرته وزارة العدل في الإقليم.
وقد وصل 'العيدودي'، وهو إسلامي سلفي، إلى ألمانيا للمرَّة الأولى في عام 1997.وتعتقد السلطات الألمانية أنَّ 'العيدودي' قد عاش لبعض الوقت في أفغانستان وباكستان قبل وقوع الهجمات التي شنَّها تنظيم 'القاعدة' ضد الولايات المتحدة الأمريكية في 11 أيلول/سبتمبر 2001. ومنذ ذلك الحين، أخضعت أجهزة الاستخبارات الألمانية 'العيدودي' للمراقبة للاشتباه في أنَّه يمارس نشاطًا دعويًّا إسلاميًّا، ويحاول دفع الشباب المسلم إلى التطرُّف. ووفقًا لما ذكره تقرير رسمي تسرَّب إلى المجلة الإخبارية الألمانية 'فوكس' (Focus)، فإنَّ لدى 'العيدودي' علاقات "واسعة النطاق" مع الشبكات السلفية والجهادية.
وقد رُفض طلب اللجوء الذي قدَّمه 'العيدودي' في عام 2007 بعد أن ظهرت مزاعم بأنَّه تلقى تدريبًا عسكريًّا في معسكر للمجاهدين تابع لتنظيم 'القاعدة' في أفغانستان بين عامي 1999 و2000. وخلال فترة التدريب، يُزعم أنَّ 'العيدودي' عمل حارساً شخصيًّا لزعيم القاعدة السابق 'أسامة بن لادن'. وقد أنكر 'العيدودي' هذه المزاعم، وادَّعي أنَّه أمضى تلك الفترة في الدراسة في كراتشي، باكستان.
وعلى الرغم من رفض طلب اللجوء الذي قدَّمه 'العيدودي'، منعت المحاكم الألمانية أكثر من مرَّة ترحيله إلى بلده خوفًا من تعرُّضه للتعذيب أو المعاملة السيئة في وطنه:
في نيسان/أبريل 2017، قضت محكمة في مدينة مونستر بأنَّ 'العيدودي' يواجه "احتمالًا كبيرًا" بالتعرُّض "للتعذيب والمعاملة اللاإنسانية أو المهينة" إذا عاد إلى تونس.
وفي نيسان/أبريل عام 2018، أثار استمرار وجود 'العيدودي' في ألمانيا شعورًا بالاستياء العام عندما أكَّدت حكومة إقليم شمال الراين-وستفاليا أنَّ 'العيدودي' كان يتلقى مبلغًا شهريًا قدره 1,168 يورو (1,400 دولار) في صورة مدفوعات رعاية اجتماعية ودعم لرعاية أطفال لأكثر من عقد من الزمان، على الرغم من أنَّ وكالات الاستخبارات الألمانية صنَّفته على أنَّه يشكِّل تهديداً أمنيًّا.
وفي 1 أيار/مايو، قدَّم وزير حقوق الإنسان التونسي 'المهدي بن غربية' تعهدًا شفويًا بأنَّ 'العيدودي' لن يتعرَّض للتعذيب عند عودته إلى تونس:
"يمكنني أن أؤكد لكم، وأن أضمن: أنَّه لا يوجد تعذيب هنا! إنَّنا دولة ديمقراطية، ومحاكمنا تتصرَّف وفقًا للقانون. ونعامل من يعودون إلى تونس وفقًا لما يقتضيه النظام الديمقراطي. ومن غير المعقول أن تزعم محكمة ألمانية أنَّ مواطنًا تونسيًّا يمكن أن يتعرَّض للتعذيب هنا".
وفي 9 أيار/مايو، سمحت المحكمة الدستورية الاتحادية في ألمانيا بترحيل جهادي تونسي آخر – لم يُذكر عنه سوى أنَّ اسمه 'هيكل س.' وأنَّه يبلغ من العمر 37 عامًا، ومتَّهم بالتورُّط في الهجوم على متحف 'باردو' في تونس في آذار/مارس 2015 – إلى وطنه. واقتنص وزير الداخلية الألماني 'هورست زيهوفر' (Horst Seehofer) فرصة صدور هذا الحكم وتعهَّد بأن يجعل ترحيل 'العيدودي' على رأس قائمة أولوياته.
وفي 25 حزيران/يونيه، اعتُقل 'العيدودي' في بوخوم بعد أن أمر 'زيهوفر' سلطات الهجرة الألمانية بالتعجيل في إجراءات ترحيله.
وفي 13 تموز/يوليو، وقبل بزوغ الفجر، تم ترحيل 'العيدودي' جوًا من دوسلدورف إلى تونس على متن طائرة تابعة لشركة 'ليرجيت' (Learjet) مستأجرة خصيصًا لهذا الغرض، بصحبة أربعة من ضباط الشرطة الاتحادية وطبيب. ووفقًا لما ذكرته مجلة 'فوكس'، فقد كلَّف ترحيل 'العيدودي' دافعي الضرائب الألمان نحو 80,000 يورو (95,000 دولار).
وعلى الرغم من أنَّ المحكمة الإدارية في مدينة غيلسن كيرشن أوقفت تنفيذ ترحيل 'العيدودي' في الليلة السابقة، فلم يُبلَّغ القرار إلى سلطات الهجرة حتى صباح اليوم التالي، بعد أن كانت الطائرة قد أقلعت بالفعل.
وعندما علمت المحكمة بترحيل 'العيدودي'، اتَّهم القضاة سلطات الهجرة بأنَّها "تعمَّدت حجب" المعلومات المتعلقة بتوقيت إقلاع رحلة 'العيدودي' لضمان أن تتمكَّن من تنفيذ الترحيل.
وقالت المحكمة إنَّ ترحيل 'العيدودي' يُعدُّ انتهاكًا "للمبادئ الأساسية التي تقوم عليها سيادة القانون"، وأمرت مدينة بوخوم بإعادة 'العيدودي' إلى ألمانيا قبل 31 تموز/يوليو 2018.
وفي 3 آب/أغسطس، أمرت محكمة غيلسن كيرشن مدينة بوخوم بدفع غرامة قدرها 10,000 يورو (11,500 دولار) عقابًا لها على إخفاقها في إعادة 'العيدودي' إلى ألمانيا قبل التاريخ المحدَّد.
وفي 13 آب/أغسطس حظر مكتب الشرطة الجنائية في ولاية شمال الراين-وستفاليا عودة 'العيدودي' إلى ألمانيا مرة أخرى، بعد أن أُدرج اسمه في القائمة السوداء الخاصة بالاتحاد الأوروبي، والمعروفة باسم 'نظام شينغين للمعلومات'.
وفي 15 آب/أغسطس، ألغت محكمة مونستر الحظر المفروض على عودة 'العيدودي'، وأمرت مسؤولي بوخوم بإعادته إلى ألمانيا على الفور. ولا يمكن استئناف هذا الحكم سوى أمام المحكمة الدستورية الاتحادية، وهي المحكمة العليا في ألمانيا.
وردًّا على الحكم، صرَّحت السلطات التونسية بأنَّها قد صادرت جواز سفر 'العيدودي' بهدف منعه من العودة إلى ألمانيا. وأصرَّ 'سفيان السليطي'، الناطق الرسمي باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب في تونس، في مقابلة أجراها مع صحيفة 'بيلد' (Bild) على أنَّ هذه المسألة خاضعة للسيادة التونسية:
"لا تترتَّب على هذا الحكم أي آثار بالنسبة لنا. وقد قلت ذلك عدَّة مرات: في تونس، نخضع لأحكام القانون التونسي، ولا شيء غيره. ولا نرى أنَّ المشاكل القائمة بين الوزارات والمحاكم في ألمانيا مسألة تخصُّنا. إنَّ الإجراءات لم تكتمل بعد هنا في تونس، ومن ثمَّ لا يحمل 'العيدودي' حاليًا بطاقة هوية تسمح له بالسفر".
عاش 'سامي العيدودي' (أسفل يمين الصورة) في ألمانيا منذ عام 1997 حتى ترحيله إلى وطنه تونس في 13 تموز/يوليو 2018. ويُزعم أنَّه تلقى تدريبًا عسكريًا في معسكر للمجاهدين تابع لتنظيم القاعدة في أفغانستان بين عامي 1999 و2000. ويُزعم أيضًا أنَّ 'العيدودي' عمل حارساً شخصيًّا لزعيم تنظيم القاعدة السابق 'أسامة بن لادن' خلال فترة التدريب. (مصادر الصور: 'العيدودي' - لقطة فيديو من قناة SpiegelTV؛ شركة 'ليرجت' - Ruido/Flickr؛ Faris knight/Wikimedia Commons) |
وقال وزير شؤون الإدماج في ولاية شمال الراين-وستفاليا 'يواخيم ستامب' (Joachim Stamp)، وهو من الحزب الديمقراطي الحر، والذي قبل أن يتحمَّل شخصيًّا المسؤولية عن قرار ترحيل 'العيدودي'، إنَّ حكم المحكمة المذكور وضعه بين المطرقة والسندان:
"لقد وضعتنا المحكمة في موقف صعب للغاية. إذ أنَّ المحكمة ذاتها تدرك حجم العراقيل التي تحول دون إعادة 'العيدودي' إلى ألمانيا، ومع ذلك، لا تزال تطالبنا بإعادته فورًا".
كما انتقد أعضاء آخرون في حكومة المحافظين في ولاية شمال الراين-وستفاليا الحكم الذي أصدرته المحكمة بإعادة 'العيدودي'. وقال وزير داخلية الإقليم 'هربرت رويل' (Herbert Reul)، وهو من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، في مقابلة مع الصحيفة اليومية الألمانية 'راينيشه بوست' (Rheinische Post) إنَّ الحكم بعيدٌ كل البُعد عن مطالب الجمهور بحفظ الأمن:
"إنَّ استقلال القضاء مسألة قيِّمة للغاية، ولكن ينبغي أن يأخذ القضاة في اعتبارهم دومًا أنَّ ما يتخذونه من قرارات ينبغي أن يتوافق مع حس الجماهير بالعدالة. وأشك في أنَّ ذلك ينطبق على هذا الحكم. وإذا أصبح المواطنون غير قادرين على فهم الأحكام القضائية، فإنَّ ذلك سيؤجج نيران التطرُّف".
وردَّت القاضية 'ريكاردا برادتس' (Ricarda Brandts) من محكمة وستفاليا الإدارية العليا على تلك التعليقات بحدَّة قائلة:
"إنَّ قضية 'سامي أ.' تثير تساؤلات حول النظام الديمقراطي وسيادة القانون، ولا سيما فيما يتعلَّق بالفصل بين السلطات وتوفير الحماية القانونية الفعَّالة. وفي هذه الحالة، كانت حدود سيادة القانون على المحك...
"ويتعيَّن على المحاكم أن تصدر أحكامها باستقلالية عن رأي الأغلبية. وينبغي أن يدرك الجميع أنَّ الدولة الدستورية يجب أن تعمل من أجل حماية حقوق الأقليات، بل وحقوق أولئك الذين لا يحترمون سيادة القانون.
"إنَّ قضية 'سامي أ.' تنطوي على تحديد الخط الرفيع الذي يفصل بين ضمان أمن المقيمين في البلاد وحقوق من يعرِّضون هذا الأمن للخطر، أو حتى ينتهكونه. ويجب أن تؤكِّد سيادة القانون وجودها، إلى الدرجة التي تضمن أن يتمتَّع الجميع، بما في ذلك الجناة والمجرمون والإرهابيون بالحماية القانونية الفعَّالة، وأن تُحترم كرامتهم الإنسانية".
ووضع 'توماس شبان' (Tomas Spahn) يده، في تدوينة كتبها لمدوَّنة 'تيخيس أينبليك' (Tichys Einblick)، وهي من المدوَّنات الليبرالية الكلاسيكية والمحافظة الرائدة، على لُب المسألة:
"إنَّ قضية التونسي 'سامي أ.'، والذي لا تجرؤ ويكيبيديا حتى على ذكر اسمه الحقيقي، ستُدرَّس لأجيال قادمة من المحامين باعتبارها إحدى السخافات التي شهدها التاريخ القانوني الألماني. لأنَّه لا توجد "قضية" أخرى تكشف التناقض الذي يستحيل تجاوزه بين الفقه القانوني (Rechtsprechung) وحسُّ العدالة (Rechtsempfinden)، أي بين القانون وعالم السياسة.
"وقد كنت أتمنى أن تشغلني هذه المخاوف حول الفصل بين السلطات عندما ينقل وزير العدل الاتحادي اختصاص النظر في جرائم مثل التحريض على الكراهية من المحاكم إلى موظفين غير مؤهلين قانونيًّا يعملون لدى أي شركة على الإنترنت.
"غير أنَّه عندما نجح 'هايكو ماس' (Heiko Maas)، وزير العدل السابق، في تمرير قانون الرقابة الذي أعدَّه، والذي صدر تحت اسم قانون إنفاذ أحكام الشبكات، حظي نقل تلك المهام القضائية الأساسية لتصبح مسؤولية أفراد عاديين بموافقة الجميع، بما في ذلك السلطة القضائية. ونتيجة لذلك، تتزايد الشكوك في أنَّ قضية 'سامي أ.' ليست في نهاية المطاف مسألة تتعلَّق بالقانون، بل بالسلطة...
"إنَّ ما نشهده حاليًا ليس نضالاً من أجل تحقيق سيادة القانون، بل صراعًا على السلطة بين سلطة قضائية من الواضح أنَّ لها ميولاً أيديولوجية، وممثلين سياسيين لا يتمتَّعون بشعبية".
وخلص المعلِّق السياسي 'هنريك برودر' (Henryk Broder)، في عمود تحت عنوان "'سامي أ.': حتى سيادة القانون يمكن أن تخطئ في بعض الأحيان" نشرته صحيفة 'دي فيلت' (Die Welt) إلى أنَّه:
"يعتبر كثيرون أنَّ إعادة 'سامي أ.'، الحارس الشخصي لزعيم القاعدة السابق 'أسامة بن لادن' من تونس إلى ألمانيا دليل على حُسن تنفيذ سيادة القانون. وهذا غير صحيح. إنَّ الفضيحة الحقيقية هنا أمر آخر...
"لقد بدأت الفضيحة عندما قرَّرت محكمة إدارية أنَّ ترحيل شخص "حنث باليمين" أمر غير مقبول بالنظر إلى أنَّه قد يتعرَّض للتعذيب في البلد الذي سيُرحَّل إليه.
"لا أشاطر زملائي رأيهم بأنَّ الحكم الصادر في قضية 'سامي أ.' دليل على أنَّ دولتنا الدستورية تعمل على ما يرام،
"فحتى في الدول الدستورية، يمكن أن تصدر أحكام خاطئة. ولا يمكن أن يسمح صدور حكم قضائي، سواء كان صحيحًا أم خاطئًا، باستخلاص استنتاجات بشأن ما إذا كانت سيادة القانون تُنفَّذ أو لا تُنفَّذ. ولا يمكن لأي شخص، بما في ذلك القضاة أنفسهم، أن يرى نفسه معصومًا من الخطأ.
"إنَّ هذا هو السبب في وجود نظام قضائي متعدد الدرجات [محاكم ابتدائية ومحاكم استئناف]، وفي كون القضاة يصدرون أحكامًا تُبطل أحكام قضاة آخرين، إذ أنَّ ذلك يهدف إلى تكييف القانون مع الظروف المتغيرة في الحياة، وليس العكس...
"إنَّ حكمًا مثل الذي أصدرته المحكمة الابتدائية في مدينة غيلسن كيرشن لا يقوِّض الثقة في سيادة القانون، بل إنَّ ما يقوِّضها حقًا هو أنَّ ترحيل حارس 'أسامة بن لادن' "المزعوم" استغرق ما يقرب من اثني عشر عامًا".
'سورين كيرن' زميل أقدم في معهد 'جيتستون' في نيويورك.