في الأسبوع الماضي، اعتقل الإسرائيليون 25 إرهابيًا ينتمون إلى حركة 'حماس' في الضفة الغربية، معظمهم من طلاب جامعة القدس في أبو ديس. ولم يكُن هؤلاء الإرهابيون ثوارًا بلا قضية، أو متعطلين عن العمل يضمرون الشر للمجتمع، بل هم من خيرة العقول لدينا، من بين المثقفين الذين سيملؤون صفوف الأوساط الأكاديمية الفلسطينية في المستقبل! كانت تلك المجموعة تتولى أمور التجنيد والتوجيه، وتديرها عناصر 'حماس' في تركيا وجناحها الإرهابي في قطاع غزة، وكانت تنتوي القيام بهجمات انتحارية داخل إسرائيل.
واستعد قادة الخلية الإرهابية بمنازل آمنة ومواقع للتخزين، أقاموا فيها مختبرات لصنع المتفجرات. وعملت الخلية على تجنيد الفلسطينيين، من بيت لحم والخليل وقلقيلية، بل ومن القدس ذاتها، فضلًا عن بعض السكان العرب القاطنين في صحراء النقب الإسرائيلية، للحصول على المواد الكيميائية وغيرها من المعدات اللازمة لتفخيخ السيارات حتى يستخدمها هؤلاء الطلاب في تفجيرات انتحارية.
وكشفت قوات الأمن الإسرائيلية أمر الشبكة واعتقلت عناصرها، المتأثرين أيضًا بالتحريض الذي لا ينقطع من جانب السلطة الفلسطينية للشعب الفلسطيني. فالسلطة الفلسطينية تريد التضحية ببعض أفضل أبناء شعبنا وألمعهم لتنفيذ الهجمات الإرهابية ضد اليهود.
ولسوء الحظ، فإنَّ الأحداث الأخيرة تنذر بانتهاء فكرة إقامة دولة مستقلة للشعب الفلسطيني. إذ أنَّ الشقوق في جدار التاريخ الفلسطيني - الذي لا يكاد يكمل مائة عام - آخذة في الاتساع. ولم تُكلَّل محاولات رتق نسيج المجتمع الفلسطيني بأي نجاح. فهناك أيضًا خلافات داخلية بين مختلف المنظمات السلفية (ومنها 'حماس' و'داعش' و'حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية') من جهة ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة 'فتح' وغيرهما من المنظمات الإرهابية الأخرى في الضفة الغربية من جهة أخرى.
وهناك أيضا مسألة الميراث: أيُّ هذه المنظمات سوف تتربع على عرش منظمة التحرير الفلسطينية؟ وما هي الاختلافات بين أهداف تلك المنظمات؟ فقيادة 'حماس' في قطاع غزة تريد أولًا إعادة بناء القطاع، ثم استئناف القتال ضد إسرائيل. بينما تطالب كتائب 'عز الدين القسام'، الجناح العسكري الإرهابي لحركة 'حماس'، باستئناف الهجمات وإطلاق الصواريخ ضد إسرائيل فورًا. وكلاهما يحاول إنشاء شبكات إرهابية جديدة في الضفة الغربية (مثل تلك التي اكتُشفت مؤخرًا). فالهدف المزدوج الذي تسعى إليه كلتا المجموعتين هو قتل الإسرائيليين والإطاحة بالسلطة الوطنية الفلسطينية في آن واحد.
ويبدو أنَّنا نحن الفلسطينيون عاجزون عن الاتفاق على أبسط المسائل المثمرة والبنَّاءة، مثل إعادة بناء المنازل، والتعليم، والاستغلال السليم لمئات الملايين من الدولارات التي يتلقاها الشعب الفلسطيني في صورة هبات، وفتح معبر رفح، وتحسين العلاقات مع العالم العربي، ولا سيما مع مصر. فأكبر المآسي التي تعرض لها الفلسطينيون لم تقع في عام 1948، بل في عام 2015. إلا أنَّ الشيء الوحيد الذي يمكن أن تتفق عليه القيادة الفلسطينية والمنظمات الإرهابية هو هاجسهم بتدمير دولة إسرائيل، وإقامة دولة فلسطينية على أنقاضها، وحتى فيما يتعلق بهذا الحلم، لا يتفقون على الطرق والمراحل والوسائل.
فما دام الفلسطينيون يعتقدون أنَّ بإمكانهم الحصول على ما يريدون عن طريق المفاوضات والتعنت، سوف تظل نواياهم الحقيقية مخفية. بيد أنَّه في الآونة الأخيرة، حين صار من الواضح أنَّ الإسرائيليين لن يتنازلوا عن مطلبهم بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، أو عن اعتراضهم الثابت على حق العودة، بدأ التطرف الفلسطيني يطل برأسه من مخبئه. وهذا واضح من النتائج التي تصل إليها باستمرار استطلاعات الرأي التي تقوم بها مراكز الاستطلاع الفلسطينية، والتي تُظهر أنَّ الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين يدعمون شن هجمات مسلحة ضد إسرائيل، ويريدون أن يرونها وقد حلَّ بها الدمار، وأن تُقام على أنقاضها دولة فلسطين. كما تُشير الاستطلاعات أيضًا إلى زيادة مقلقة في التأييد الشعبي لحركة 'حماس' في الضفة الغربية، وانخفاض في تأييد الرئيس 'محمود عباس' والسلطة الفلسطينية، بسبب عدم قدرتهما على إعادة كامل أراضي "فلسطين المحتلة" إلى الفلسطينيين.
وكم أودُّ لو كنَّا نحن الفلسطينيون أذكياء بما يكفي لنتعلم من تاريخ اليهود، بدلًا من أن نرفضهم هذا الرفض القاطع. كنا لنخلِّص أنفسنا من 'حماس' وغيرها من المنظمات الإرهابية على الفور. ولكننا بدلاً من ذلك نستعين بهم، لأنَّهم يقتلون اليهود.
ولسوء الحظ، كان الراحل 'ياسر عرفات' يعتقد أنَّه سيكون من الأسهل إجبار اليهود على تقديم التنازلات إذا جرت المفاوضات في أجواء تشوبها الهجمات الإرهابية، وتحقيقًا لهذه الغاية، كان اتفاقه السري مع 'حماس'.
ونمت حركة 'حماس'، مثلها في ذلك مثل وحش 'فرانكنشتاين'، لتصبح منظمة إرهابية كبيرة، لا تهدد الآن أمن إسرائيل وحدها، ولكن تُهدد منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية أيضًا. ونتيجة لذلك، نحن مضطرون إلى التعاون مع الإسرائيليين إذا كنا نريد البقاء على قيد الحياة، وألا تبتلعنا حركة 'حماس' بالكامل، كما ابتلعتنا في غزة. ولهذا السبب، فإنَّ تهديدات السلطة الفلسطينية بوقف التعاون الاستخباراتي مع إسرائيل ضرب من الهراء. فكلما ازداد خطابنا تطرفًا، يُصاب بعض الفلسطينيين برغبة سلبية في الخضوع لحركة 'حماس'، ويتناقص عدد من يجرؤون على تحدِّيها، بدلًا من رفضها ورفض جماعة الإخوان المسلمين، واكتساب ثقة نصير أهم وأشد قوة بكثير: العالم، والغرب، وعلى نحو ما، الإسرائيليين. وبدلًا من ذلك، فإنَّنا نمتص التطرف المدمر الذي تبثه حركة 'حماس'. ونسمح لها بغسل عقول الأجيال الأصغر من شبابنا بأذرعها المتطرفة التي تعيث في الأرض كراهية ودمارًا وموتًا، دونما جدوى.
ولم تستوعب القيادة الفلسطينية بعد العواقب المريرة الناجمة عن هجماتنا الإرهابية العقيمة ضد إسرائيل. فالقيادة تستخدم وسائل إعلامها لنشر الدعاية الكاذبة عن الهجمات بالسكاكين والحجارة والدهس بالسيارات، جنبًا إلى جنب مع التهديد بانتفاضة أخرى. ولا تدرك أنَّ أيًا من هذا لن يحرك الإسرائيليين من موقعهم. فلا شيء يمكن أن يجبرهم على الرحيل، أو التخلي عن شبر واحد من الأرض - وبالتأكيد، لن يكون الإرهاب ذلك الشيء. فالإرهاب لا ينجح سوى في تقوية عزيمة الإسرائيليين. ونستمر نحن في ارتكاب خطأ كبير، ربما لا يُمكن إصلاحه، بتعليم أطفالنا، جيلًا بعد جيل، أن يكرهوا اليهود والإسرائيليين، وأن يسعوا إلى تدمير دولة إسرائيل. وفي ذات الوقت، يمكننا أن نرى أنَّ الإسرائيليين والأميركيين يتابعون كل تحركاتنا، ويوثِّقون ما يبثه إعلامنا من كراهية. وشيئًا فشيئًا، نفقد مصداقيتنا، كما نفقد ثقتهم فينا.
فنحن نذيع برامج للأطفال تشجع على العنف والكراهية، على شاشات التلفزيون الفلسطيني الذي تموله الحكومة وتديره، وفي ذات الوقت، نتوقع من الإسرائيليين تقديم تنازلات سوف تضر بأمنهم. أليس ذلك من الغباء؟ ثم نستمر في غسل عقول المشاهدين بهراء من شاكلة أنَّ دولة إسرائيل، بعون من الله، زائلة، وسوف تنتهي من الوجود في نهاية المطاف. ففي من، أو في ماذا، يمكن أن يثق الإسرائيليون؟ فهل ينتظر 'محمود عباس'، وهو كهل طاعن في السن يعوزه الدعم في بلده ذاتها، أن يكبر الجيل الأصغر الذي ترعرع على الكراهية والحرب، ويخلعه من منصبه؟ فلدينا برنامج يحمل اسم "حكي صغار" أعلن في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، بيقين مطلق، أنَّ نهاية دولة إسرائيل قد باتت وشيكة، وأنَّ جميع الأراضي الفلسطينية من عام 1948 "من النهر إلى البحر" بما في ذلك مدن إسرائيلية مثل حيفا ويافا وعكا والناصرة، "ملك لنا" و "سترجع إلينا". ولو وضعنا أنفسنا في مكان الحكومة الإسرائيلية، لملأتنا الشكوك أيضًا.
ومن ثمَّ، فمن المحير أنَّ البرلمان اليوناني اختار هذا الوقت ليعترف اعترافًا رمزيًا (وغير ملزم) بالدولة الفلسطينية، الأمر الذي يؤجل قيام الدولة الفلسطينية بالفعل إلى أبعد من أي وقت مضى. فلا شك أنَّ الرئيس 'عباس' يطوف البلدان في محاولة لجمع هذه الاعترافات التي لا قيمة لها، ولا شك في أنَّه يرى أنَّه إذا نجح في جمع ما يكفي منها، فإنَّ ذلك سيكون كافيًا للتغاضي عن رزمة كبيرة من الاتفاقات الملزمة دولياً، وأنَّ دولة فلسطينية حقيقية ستظهر من الفراغ كما لو كانت سحرًا، دون حاجة لتقديم أي تنازلات.
ألم يلاحظ أحد في أجهزة الاستخبارات في أي من البلدين أنَّه وفقًا للتلفزيون الفلسطيني (4 كانون الأول/ديسمبر 2015)، فإنَّ بعض الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي الفلسطينية منذ عام 1948 لم يغادروها، ويدافعون الآن عن أراضيهم ضد بطش "الاحتلال العنصري". فكونهم لا يزالون يعيشون على أرضنا في حد ذاته، على الرغم من السيطرة الكاملة لقوات الاحتلال، يعني أنَّهم يحافظون على الوجود الفلسطيني، ويحمون الأرض بصفتهم فلسطينيين، ويؤمنون بأنَّ جميع الأراضي المحتلة ستعود إلى السيطرة الفلسطينية، وتصير جزءًا من دولة فلسطين.
عذرًا. إنَّ «الفلسطينيين الذين يعيشون على الأراضي الفلسطينية منذ عام 1948» يطلق عليهم بقية العالم اسم "عرب إسرائيل".
وفيما ورد أعلاه مثالان على الدعاية الفلسطينية الرسمية التي تنشرها القيادة الفلسطينية عن طريق وسائل الإعلام ونظام التعليم في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية، في كل ساعة من كل يوم. ووفقًا لصحيفة 'الحياة الجديدة'، وهي صحيفة رسمية الفلسطينية، في عددها بتاريخ 10 كانون الأول/ديسمبر 2015، فإنَّ 'جهاد جيوسي'، قائد الارتباط العسكري التابع للسلطة الفلسطينية، زار فصلًا للكتابة الإبداعية في مدرسة 'العودة' للبنات في بيت لحم، وقدَّم لهنَّ لوحة تذكارية لخريطة "فلسطين"، تشمل جميع أراضي دولة إسرائيل، والضفة الغربية وقطاع غزة. ووفقًا لذات الصحيفة، في عددها بتاريخ 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، كانت جائزة مسابقة التصوير التي نظمتها 'إدارة الأسرى' التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية خريطة لفلسطين، تشمل المناطق ذاتها.
ومن المخيب للآمال أنَّنا لا زلنا نحاول الاستمرار في خداع الإسرائيليين والأمريكيين برسائل وهمية عن السلام وعن «دولتين لشعبين». فنحن نفترض أنهم لا يتمتعون بأي قدر من الذكاء على الإطلاق، ولا يفهمون اللغة العربية، ولا يمكن أن يقرؤوا صفحاتنا على فيسبوك، بما في ذلك صفحة قوات الأمن الوطني الفلسطيني التي تُشير إلى مدينتي عكا ويافا على أنَّهما «محتلتان». ونفترض أنَّ الغربيين لا يقرؤون صحيفة 'الحياة الجديدة' على الإطلاق، تلك الجريدة التي نشرت صورة لمفتاحين وخريطة لفلسطين تشمل جميع الأراضي الإسرائيلية والفلسطينية، تحت شعار «ذاكرة لا تصدأ»، أو نفترض أنهم إذا كانوا يقرؤونها، فإنَّهم لا يفهمون ما يرون.
فإذا أردنا إحلال السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، فإنَّ الخطوة الأولى هي أن ينسِّق الفلسطينيون فيما بينهم توقعاتهم في هذه المسألة. وعلى قادتنا أن يفهموا أنَّ الساحة في الشرق الأوسط في حالة من التغير المستمر، وأنهَّ لا شك في أنَّ أبناء وأحفاد لاجئي 1948 لن «يعودوا» أبدًا إلى دولة إسرائيل، وأنَّ القدس لن تكون ابدًا عاصمة لدولة فلسطين، وأنَّنا لن نسيطر أبدًا على وادي الأردن (بسبب شواغل إسرائيل الأمنية، التي لها للأسف ما يبررها).
وبالإضافة إلى ذلك، وفي عالم يترنح تحت وطأة الإرهاب الإسلامي، فمن المرجح أنَّ الإرهاب الفلسطيني لن يؤدي مع مرور الوقت سوى لتعزيز دعم الغرب لأمن إسرائيل ووجودها.
كان علينا منذ أمد طويل أن نفهم أنَّ اليهود موجودون في فلسطين، وأنَّهم باقون فيها إلى الأبد، وأنَّ قتلهم في الشوارع لن يغير من الأمر شيئًا. وقد حان الوقت لأن نحاول، ولأول مرة في التاريخ، إقامة دولة فلسطينية سلمية منزوعة السلاح، تلك الدولة التي طالما ألمح الإسرائيليون منذ عقود أنَّهم سيكونون سعداء للغاية بمساعدتنا على بنائها. وأنا آمل، وأدعو الله، ألا يكون أوان ذلك قد فات بالفعل.