عادت مشاعر العداء الأوروبية للولايات المتحدة – بعد أن كانت في طريقها إلى الزوال أثناء فترة رئاسة 'باراك أوباما' (Barack Obama) الذي قاد الولايات المتحدة في طريق العولمة بدلًا من الطريق القومي - بعنفوان أشد.
واستقبلت وسائل الإعلام في أوروبا نبأ فوز 'دونالد ترامب' بموجة من النقد اللاذع لم يشهدها العالم منذ فترة رئاسة 'جورج بوش' الابن، عندما كانت مشاعر العداء الأوروبي للولايات المتحدة على أشدها.
ومنذ إجراء الانتخابات الأمريكية في 9 تشرين الثاني/نوفمبر، أنتجت وسائل الإعلام الأوروبية المرئية والمسموعة والمقروءة سيلًا من القصص السلبية والمقالات الافتتاحية والتعليقات التي تفور غضبًا إزاء النتيجة التي أسفر عنها التصويت.
وتتجاوز الانتقادات الأوروبية ضد 'ترامب' حدود الاستياء البسيط إزاء الرجل الذي سيصبح رئيس أمريكا المقبل. ويكشف هذا الاستنكار عن الاحتقار العميق الذي يكنُّه الأوروبيون للولايات المتحدة، وللناخبين الأمريكيين الذين أعطوا أصواتهم لمرشح تعهَّد باستعادة القوة الاقتصادية والعسكرية الأمريكية.
وإذا كان الماضي يقدم أي دلالة على المستقبل، ستكون مشاعر العداء الأوروبي للولايات المتحدة سمة منتشرة في العلاقات السياسية عبر المحيط الأطلنطي أثناء رئاسة 'ترامب'.
وعلى الرغم من أنَّ صانعي الرأي العام الأوروبي يركزون جلَّ سخطهم على التهديد المزعوم الذي يمثله 'ترامب' للنظام العالمي، سيرث الرئيس المنتخب عالمًا يعجُّ بالفوضى وانعدام الأمن إلى حد أكبر بكثير مما كان عليه عندما أصبح 'أوباما' رئيسًا في كانون الثاني/يناير 2009.
والسبب الرئيسي في ذلك الاضطراب العالمي هو الافتقار إلى القيادة الأمريكية - بسبب مبدأ القيادة من خلف الصفوف - في الداخل والخارج.
فقد أوجدت سلسلة القرارات العاجزة التي اتَّخذها الرئيس 'أوباما' بهدف الحد من النفوذ العسكري الأميركي في الخارج مناطق فراغ تخلو من النفوذ الجيوسياسي، وبدأت بلدان وأيديولوجيات معادية بطبيعتها للمصالح والقيم الغربية في العمل على ملئها. فقد تجرأت الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية والإسلاميون المتطرفون – وغيرهم كثيرون - على تحدي الولايات المتحدة وحلفائها دون خوف من العقاب.
والتزمت معظم النُخب الأوروبية الصمت بشأن إخفاقات 'أوباما' في مجال السياسة الخارجية، ولكنَّها تصرخ الآن بانتقاداتها ضد 'ترامب' بسبب تصريحه بأنَّه سيعيد النظام العالمي عن طريق أن "يجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى".
وكما كان الحال في ظل إدارة الرئيس 'بوش'، تقود ألمانيا مرة أخرى مشاعر العداء الأوروبي للولايات المتحدة، وهي البلد الذي أعادت الولايات المتحدة بناءه فعليًا بعد الحرب العالمية الثانية. إذ منحت خطة 'مارشال' لألمانيا الغربية قرابة 1.5 مليار دولار أمريكي (15 مليار دولار أمريكي بمقاييس ذلك الوقت) من أجل المساعدة في إعادة الإعمار بين عامي 1948 و 1951.
وعلى مدى العقود السبعة الماضية، أنفقت الولايات المتحدة ملايين الدولارات سنويًا لضمان أمن ألمانيا، على الرغم من أنَّ ألمانيا ترفض باستمرار الوفاء بتعهدها كدولة عضو في حلف شمال الأطلنطي بإنفاق 2 في المائة على الأقل من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع. فلم تنفق ألمانيا سوى 1.16 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع في عام 2015، و1.15 في المائة في عام 2016. ويشعر المسؤولون الألمان حاليًا بالإهانة لأنَّ 'ترامب' يطالبهم بسداد حصتهم العادلة من تكاليف الدفاع عن بلادهم.
وفيما يلي عينة صغيرة من التعليقات الأوروبية الأخيرة على 'دونالد ترامب' والولايات المتحدة:
في ألمانيا، صدرت مجلة 'دير شبيغل' (Der Spiegel) ومقرها هامبورغ، وهي إحدى أكثر المطبوعات انتشارًا في أوروبا، بغلاف يحمل صورة رأس 'ترامب' في شكل نيزك عملاق مندفع نحو الأرض. وكان العنوان الرئيسي للعدد: "نهاية العالم (كما نعرفه)". وشمل العدد أكثر من 50 صفحة من المواضيع ذات الصلة، بما في ذلك مقالة بقلم "ديرك كوربيوفايت' (Dirk Kurbjuweit) بعنوان "مائة عام من الخوف: أمريكا تتخلى عن زعامة العالم الغربي". وكتب 'كوربيوفايت':
"لمائة عام من الزمان، كانت الولايات المتحدة زعيمة العالم الحر. ومع انتخاب 'دونالد ترامب'، تخلَّت أمريكا الآن عن هذا الدور. وقد حان الوقت لأوروبا و'أنغيلا ميركل' أن تتقدم كي تملأ هذا الفراغ...
"'ترامب'، الذي يريد قطع أي صلة له بالعولمة؛ 'ترامب'، الذي يبشر بالقومية الأمريكية، والانعزال السياسي، والانسحاب الجزئي من التجارة العالمية، وعدم تحمل أي مسؤولية عن مشكلة عالمية مثل تغير المناخ...
"نحن الآن نواجه الخواء... الخوف من الفراغ. ماذا سيحدث للغرب ولأوروبا، ولألمانيا، دون وجود الولايات المتحدة كقوة رائدة في العالم؟
وفي مقال تحت عنوان "انتصار 'ترامب' يفتح الباب أمام حالة خطيرة من عدم الاستقرار"، كتب 'رولاند نيليز' (Roland Nelles)، أحد معلقي 'دير شبيغل':
"حقًا حدث ذلك. لقد فعلها. لقد أثبت 'دونالد ترامب' أنَّ جميع الخبراء كانوا مخطئين... إنَّ الرجل الذي... بشَّر بالكراهية، واحتقر أهم شركاء الولايات المتحدة سيصبح رئيس أقوى بلد على وجه الأرض. إنَّها كارثة سياسية.
"لقد انتصرت الشعبوية الهمجية على العقل. إنَّ نجاح 'ترامب' صدمة لجميع من اعتمدوا على الحكمة السياسية للناخبين الأمريكيين...
"إنَّ مرحلة خطيرة من عدم الاستقرار تتهدَّد العالم وأمريكا الآن: يريد 'دونالد ترامب' أن يجعل أمريكا "عظيمة" مرة أخرى. وإذا كان للمرء أن يصدق تصريحات 'ترامب'، فإنَّه ينوي المضي في طريقه دون رحمة: إنَّه يريد أن يطرد 11 مليون مهاجر خارج البلاد، وأن يعيد التفاوض بشأن جميع الاتفاقات التجارية الرئيسية، وأن يجبر حلفاء أمريكا الضعفاء مثل ألمانيا على دفع تكاليف الحماية العسكرية الأمريكية. وسوف يؤدي ذلك إلى نشوب نزاعات كبرى، وظهور حالة غير مسبوقة من التناحر، وأزمات جديدة."
وفي مقال رأي حمل عنوان "رئيس عبثي وخطير"، كتب 'كلاوس برينكباومر' (Klaus Brinkbäumer)، أحد معلقي 'دير شبيغل':
"لقد انتخبت الولايات المتحدة رجلًا عنصريًا وعديم الخبرة إلى حد خطير – رجل وضعه في البيت الأبيض جيش من الأمريكيين البيض من أبناء الطبقتين العاملة والوسطى. إنَّها حركة تهدد الآن النظام الديمقراطي في جميع أنحاء العالم...
"وبعبارة أخرى، لقد تصرَّف 60 مليون أميركي بغباء. لقد أعطوا أصواتهم لكراهية الأجانب والعنصرية والنزعة القومية، لنهاية المساواة في الحقوق والضمير الاجتماعي، وإلغاء المعاهدات المعنية بالمناخ، ونظام التأمين الصحي. لقد اتَّبع 60 مليون شخص رجلًا من الدهماء لن يفعل من أجلهم سوى القليل.
"إنَّ من عاشوا في نيويورك، أو شاركوا في المناقشات التي تجري على موائد العشاء في جورج تاون، والمناظرات السياسية في كلية كنيدي لدراسات الحكم التابعة لجامعة هارفارد، يعرفون ما يمكن أن يكون عليه الأمريكيون من براعة وإلمام بالشأن العالمي... ولكن فور الخروج من هذه الدوائر، لا تجد هذا النمط من التفكير ذي الطابع العالمي منتشرًا بذات القدر".
وكتبت صحيفة 'زود دويتشه تسايتونغ' (Süddeutsche Zeitung) ومقرها ميونيخ في مقال بعنوان "سياسة 'ترامب' الخارجية: ماذا تعني هذه الانتخابات للعالم":
"إنَّ الرجل الذي وصفه سياسيو العالم بأنَّه "مخيف" أو "جاهل" أو "غير عقلاني" سينتقل إلى البيت الأبيض. إنَّ عدم اليقين يكتنف العالم. وإذا كان للمرء أن يصدق رسامي الكاريكاتير، فإنَّ فكرة 'دونالد ترامب'عن العالم شديدة السذاجة. فأفريقيا هي محل ميلاد 'باراك أوباما' (Barack Obama). وروسيا بلد أصبح عظيمًا مرة أخرى. أمَّا بريطانيا العظمى، فهي منطقة محظورة".
وكتبت صحيفة 'دي تسايت' (Die Zeit) التي تصدر من هامبورغ في مقال تحت عنوان "'كيف يرى 'ترامب' العالم" قائلة:
"يا للهول. إنَّ الغرب ينهار أمام أعيننا. يمكن تفسير ما يحدث الآن من خلال النظر إلى حدثين: في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 1989، سقط سور برلين... وفي 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، بعد 27 عامًا بالتمام والكمال، انتُخب إلى البيت الأبيض رجل كان الوعد الانتخابي الأساسي الذي تعهَّد به هو بناء سور.
"إنَّ أفكار الرئيس الجديد ليست متناقضة ولا مرتبكة. ويمكن تلخيص مطالب 'ترامب' بيسر على ورقة صغيرة: إدماج 'بوتين'، وإبعاد المكسيكيين، ومعاملة حلفاء أمريكا كزبائن يحصلون على خدمة أمنية. فلن تتوفر الحماية سوى لمن يدفع نقدًا، حتى داخل منظمة حلف شمال الأطلنطي.
وفي تعليق بعنوان "نهاية عصر التنوير"، كتب 'أدريان داوب' (Adrian Daub) على صفحات 'دي تسايت':
"إنَّ 'دونالد ترامب' من بقايا أمريكا المحتضرة... لقد حوَّل البلاد من منارة لتعدد الثقافات إلى جزيرة معزولة من البيض الخائفين من ظلِّهم.
"إنَّ مفهوم الاستثنائية الأمريكية، أمريكا المنارة، كان موجودًا بالفعل وقت تأسيس تلك الأمَّة... إنَّ فكرة الإشعاع الفكري الأمريكي واحدة من الأفكار التنويرية التي انتقلت من من أوروبا إلى المستعمرات. أفكار مثل القيم العالمية، أو السعي الإنساني لمعرفة الحقيقة.
"إنَّ انتخاب 'ترامب' يعني نهاية هذا المشروع. فلم تعُد الولايات المتحدة منارة لتعدد الثقافات، ولكن نارًا مشتعلة من الظلال المدجَّجة بالسلاح. ولم يعد هناك أي أثر للنموذج الأمريكي، النموذج الذي يسعى الجميع إلى اتِّباعه. فقد أصبحت تقف هناك متحدية للجميع، مغلقة الأبواب أمام العالم. إنَّ القومية الانعزالية.. والقبلية العاصفة.. تهز أسس التنوير.
"لقد ظلَّت الولايات المتحدة متمسكة بالقيم التنويرية - النزعة الإنسانية، والصورة المتفائلة عن الإنسان، والكرامة الإنسانية والحقوق المدنية - في الوقت الذي انحرفت أوروبا عنها في الثلاثينات من القرن الماضي. واستخدمت تلك النزعة الإنسانية كسلاح في كفاحها ضد الأنظمة الفاشية، وكان طابعها التعددي مضادًا للنزعة القومية. وأعادت أوروبا استيراد تلك القيم بعد أن أدَّت الحرب العالمية الثانية إلى إعادة إرساء المشروع الأوروبي. أمَّا اليوم، تمر هذه القيم مجدَّدًا بفترة من القلاقل في أوروبا، ولكنَّ الوضع في الضفة الأخرى من المحيط الأطلنطي لن يكون مطمئنًا اعتبارًا من كانون الثاني/يناير".
وشملت عناوين الصحف الألمانية الأخرى ما يلي: "'ترامب' وجاذبية الفيل المخمور"؛ و"'دونالد ترامب'::مهرج مرعب يمثل خطرًا على الأمن"؛ و"'ترامب':كيف يمكن أن يحدث هذا؟"؛ و"خطط الرئيس الأمريكي الجديد: هكذا يريد 'ترامب' أن يسمم الهواء"؛و"'دونالد ترامب': ضربة قاصمة للمجتمع المفتوح"؛ و"أمريكا تختار داعية الانقسام الأكبر"؛ و"'دونالد ترامب':ملك دون خطة"؛ و"'دونالد' ليس 'رونالد'"؛ و"'دونالد' ليس 'تشرشل'"؛ و"هل يمكن أن يحدث 'ترامب' في ألمانيا أيضًا؟"؛ و"كيف نمنع نموذج 'ترامب' في ألمانيا"؛ و"من يمكن أن يوقف 'ترامب' الآن؟"؛ و"هل ستُضطر برلين إلى زيادة ميزانية الدفاع؟".
وفي بريطانيا، نشرت صحيفة 'الجارديان' في افتتاحيتها مقالًا بعنوان "رأي 'الجارديان' في سياسة 'ترامب' الخارجية: تهديد للسلام"، جاء فيه:
"إنَّ انتصار 'دونالد ترامب' يحطم الفكرة القائلة بأنَّه يمكن لحلفاء الولايات المتحدة الاعتماد عليها، لا في سياق ضمانات الدفاع والتعاون الاقتصادي فحسب، بل أيضًا كمدافع عن النظام الديمقراطي الليبرالي، وليس تهديدًا له. ويلقي هذا الانتصار بظلال من الشك على دور الولايات المتحدة التقليدي باعتبارها حامية النظام العالمي التعددي الذي يتمحور حول الأمم المتحدة...
"وفي وجهة نظر 'دونالد ترامب'، فإنَّ السياسة — شأنها شأن الأعمال التجارية — تدور حول إبرام الصفقات. فهو رجل يعتقد أنَّ حديثًا خاصًا، وجهًا لوجه، مع الطغاة يمكن أن يحل المشاكل على الفور. وينظر إلى الشؤون الخارجية كما لو كانت لعبة صفرية، يفقد فيها الخاسر كل شيء، ويمكن أن يعني فيها أن تصبح أمريكا "عظيمة" من جديد الحطَّ من أصدقائها التقليديين. ويجعل انتخاب 'ترامب' من العالم مكانًا أكثر خطورة، وأيضًا أكثر غموضًا، لأنَّه من السابق لأوانه أن نحدِّد بدقة كيف ستتحقق تلك الأخطار – أو كيف سيواجهها الرئيس الأمريكي المقبل".
وفي مقال نشرته 'الجارديان' بعنوان "انتصار 'ترامب' هو انتصار للتعصب الأعمى"، كتب 'أوين جونز' (Owen Jones):
"انتظروا هنا لحظة: من أنا كبريطاني حتى أسمح لنفسي بالتدخل في الشؤون الداخلية لبلد أجنبي؟ غير أنَّ المشكلة تتمثل في أنَّ العالم بأسره رهن أمر زعيم آخر القوى العظمى. فنحن جميعا، إلى حد ما، خاضعين لسيادته...
"إنَّ 'الترامبية' (Trumpism)، بحكم طبيعتها، حركة استبدادية تعتقد في إمكانية الاستغناء عن قواعد النظام الديمقراطي إذا لم تنجح في تحقيق الأهداف السياسية. إنَّ ما تتطلَّع إليه هذه الحركة – سواء كان قابلًا للتنفيذ أم لا – واضح: تأسيس مجتمع استبدادي، على غرار روسيا تحت حكم 'بوتين'، وتركيا تحت حكم 'إردوغان'، والمجر تحت حكم 'أوربان'، مع الحفاظ على بعض مظاهر الديمقراطية كواجهة ملائمة.
"إذا تقبَّل الشعب الأمريكي ببساطة شرعية هذا الرئيس، وتأقلموا مع وجود هذا الطاغية المحتمل، سيزيده ذلك جرأة... فينبغي استخدام العصيان المدني حيثما كان ذلك ضروريًا. لا تفعلي ذلك في نفسك يا أمريكا. إنَّ اختياراتك سوف تحدد مصير بقية العالم".
وشملت عناوين الصحف البريطانية الأخرى ما يلي: "هل سيدمر 'ترامب' أمريكا؟"؛ و"لماذا يمثل الرئيس 'دونالد ترامب' كارثة أكبر مما تعتقدون"؛ و"انتصار 'دونالد ترامب' كارثة على القيم الليبرالية"؛ و"انتصار 'دونالد ترامب' كارثة على الذكورة الحديثة"؛ و"خبراء الخصوصية يخشون من أن يدير 'دونالد ترامب' شبكة مراقبة عالمية"؛ و"هل سيتحول 'ترامب' المرعب إلى 'ترامب' الأليف؟ إنَّه ضرب من الوهم"؛ و"الجاذبية المغناطيسية لملك النرجسيين 'ترامب'"؛ و"هل سيجعل 'دونالد ترامب' وجبات الغذاء المدرسية غير صحية؟ الأطباء يحذِّرون من أنَّ تفضيل الرئيس المنتخب للبرغر والدجاج المقلي قد يؤثر على مكونات الوجبات المدرسية"؛ و"في عصر 'ترامب'، هل لا زال علينا أن نهتم بتعليم الطلاب الجدال المنطقي؟"؛ و"'دونالد ترامب' يعتقد أنَّه سليل 'روريك محارب الفايكنغ' (Rurik the Viking) الذي أسَّس الدولة الروسية".
وفي إسبانيا، حيث تتمتع مشاعر العداء للولايات المتحدة بالهيمنة منذ عقود عديدة، نشرت صحيفة 'إلباييس' (El País) مقالًا بعنوان "إعلان الحرب ضد الغباء" يُظهر بوضوح كيف يزدري العديد من الأوروبيين الأميركيين العاديين. وكتب 'جون كارلين' (John Carlin)، أحد كتاب الصحيفة المخضرمين، قائلًا:
"إنَّ انتصار 'ترامب' يُعدُّ ثورة ضد العقل والأخلاق. إنَّه انتصار للعنصرية، أو كره النساء، أو الغباء — أو الثلاثة في آن واحد. إنَّه تعبير عن سوء التقدير وانعدام الذوق لدى 60 مليون أمريكي، غالبيتهم العظمى من الرجال والنساء البيض الذين يمتلكون المساكن والسيارات والأسلحة النارية، ويأكلون أكثر من مواطني أي بلد آخر على وجه الأرض.
"إنَّها اللحظة التي نرى فيها بوضوح تام مدى الغباء والرعونة واللامسؤولية التي يتَّسم بها من انتخبوا 'ترامب'. فعلى الرغم من جميع عيوب 'كلينتون'، إلا أنَّها تافهة بالمقارنة مع عيوب 'ترامب'، ذلك الرجل الذي يجتمع في شخصه الجهل وانعدام المبادئ وانعدام الخبرة في الحكم مع جميع أشكال الرذائل الشخصية التي يراها أي شخص في كامل قواه العقلية يعيش في أي بقعة من بقاع المعمورة مدعاة للأسى.
"إنَّني أعرف نوعية من أعطوا أصواتهم للرئيس المنتخب 'ترامب'. فقد التقيت بهم عندما كنت أكتب التقارير الإخبارية من ولايات تكساس ومونتانا وأريزونا وأوكلاهوما وألاباما، وغيرها من الولايات الجمهورية الهوى. وهم أناس يميلون إلى الطيبة والتدين والصدق، ويتَّسمون بكرم الأخلاق في دوائرهم الاجتماعية المحدودة. ولكن بعد الجلوس معهم والتحدث إليهم لفترة من الوقت، كنت دائمًا ما أشعر بنفس الحيرة: كيف يمكن أن نكون قادرين على تكلم نفس اللغة؟ إذ أنَّ كلماتهم مألوفة لي، ولكنَّ عقولهم تعمل على نحو مختلف تمامًا عني. فهم أناس ذوو إيمان بسيط، غافلين عن المفارقات؛ أناس يختارون الحقائق التي يؤمنون بها استنادًا إلى معتقداتهم أو أحكامهم المسبقة، وليس إلى الحقيقة؛ أناس يعيشون بعيدًا عن المحيط وسائر سكان كوكب الأرض، ويخافون منهم. لم أشهد قط شعورًا مماثلًا بالانعزال سواء في أوروبا أو أفريقيا أو أمريكا اللاتينية. ولكن شعرت به في الولايات المتحدة وحدها".
وفي النمسا، صدرت صحيفة 'كرونين تسايتونغ' (Kronen Zeitung) تحمل العنوان الرئيسي "الحقيبة النووية: في غضون 72 يومًا، سيكون بوسع 'ترامب' أن يُفني الحضارة". وفي النمسا أيضا، نشرت صحيفة 'كوريير' (Kurier) قصة بعنوان "انتصار 'ترامب':هدية إلهية لخطوط الهاتف الساخنة للمقدمين على الانتحار". وفي فرنسا، صدرت صحيفة 'ليبراسيون' (Libération)بغلاف يحمل صورة 'ترامب' وعبارة "المعتوه الأمريكي". وصرَّح عنوان رئيسي آخر: "الولايات المتحدة:إمبراطورية الأسوأ". وتساءلت صحيفة 'لوبز' (L'Obs) "مع ترامب، هل تبدأ نهاية العولمة؟"، بينما كتبت صحيفة 'لو فيجارو' (Le Figaro): "دونالد ترامب:من مهرج إلى رئيس"؛ و"صدمة 'ترامب' تشل أوروبا". وكتبت صحيفة 'لو موند' (Le Monde) "انتصار 'دونالد ترامب': النسخة الأمريكية من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي." وفي هولندا، أعلنت صحيفة 'التلغراف' (Telegraaf) أنَّ "'ترامب' كابوس يواجه أوروبا".
كيف يمكن للمرء أن يفسر عودة مشاعر العداء لأمريكا للتصاعد في أوروبا؟
فعلى الرغم من أنَّ عثرات الرئيس 'أوباما' في مجال السياسة الخارجية، ولا سيما في الشرق الأوسط، قد جعلت أوروبا أقل أمنًا بكثير ممَّا كانت عليه قبل ثماني سنوات، فقد تجاهلت النخب الأوروبية أخطاءه، لأنَّه رئيس 'مؤمن بالعولمة' يميل إلى إعادة تشكيل الولايات المتحدة في صورة أوروبية. وعلى النقيض من ذلك، فإنَّ 'ترامب' رجل قومي، يريد إعادة بناء الولايات المتحدة في صورتها الأمريكية، وليس في صورة أوروبية.
ومن المؤكَّد أنَّ مشاعر العداء الأوروبية تجاه الولايات المتحدة ستتصاعد في السنوات المقبلة، لا بسبب 'ترامب' أو سياساته، بل لأنَّ 'المؤمنين بالعولمة' يبذلون آخر محاولاتهم اليائسة لإنقاذ الاتحاد الأوروبي المترنح، وهو بديل للدولة القومية غير شفاف، وغير خاضع للمساءلة، وضد الديمقراطية، ومتعدٍّ على حدود السيادة الوطنية.
وطالما بالغ الأوروبيون مرة تلو الأخرى في تقييم قدرتهم على تحويل أوروبا المجزَّأة إلى جهة فاعلة واحدة موحَّدة. وكما اتضَّح، يبدو أنَّ مشاعر العداء لأمريكا تمثِّّل أيديولوجية قوية لها جاذبية واسعة في جميع أنحاء أوروبا — وليس فقط بين النُخب.
وفي الماضي، حاول الاتحاديون الأوروبيون أن يجعلوا من مشاعر العداء لأمريكا أساسًا لبناء الهوية الأوروبية الجامعة الجديدة. وقدَّموا تلك "الجنسية" الأوروبية المصطنعة ما بعد الحداثية، والتي تطالب الأوروبيين بمنح ولائهم لبيروقراطية مجهولة الهوية تدير دولة عظمى مقرها في بروكسل، كبديل قائم على العولمة في مواجهة النزعة القومية في الولايات المتحدة. ففي جوهر الأمر، لا يعدو كون الشخص "أوروبيًا" أنَّه ليس أمريكيًا.
وفي ظل بداية تفكك الاتحاد الأوروبي، من المتوقع أن تحاول المؤسسة السياسية الأوروبية استغلال مشاعر العداء للولايات المتحدة في محاولة يائسة للحفاظ على تماسك أوروبا المنقسمة.
ومن المفارقات أنَّ نجاح تلك المحاولة من عدمه لا يتوقف سوى على الرئيس الأمريكي المنتخب 'دونالد ترامب'. فإذا تمكَّن من إثبات قدرته على حكم الولايات المتحدة وتحقيق نتائج ملموسة، ولا سيما عن طريق التنمية الاقتصادية والحد من الهجرة غير الشرعية، فمن المؤكَّد أنَّه سيحشد الدعم لتأييد السياسيين الأوروبيين المعادين للمؤسسة السياسية الأوروبية، والعديد منهم يحقق بالفعل نتائج جيدة في استطلاعات الرأي المعنية بعدد من الانتخابات العامة المقبلة.
وكتب عضو البرلمان الهولندي 'غيرت فيلدرز' (Geert Wilders) تعليقًا على فوز 'ترامب' بالانتخابات: "الآن فحسب حرَّرت أميركا نفسها من قيود الالتزام باللياقة السياسية. لقد أعرب الشعب الأمريكي عن رغبته في أن يظلَّ شعبًا حرًا وديمقراطيًا. والآن حان دور أوروبا. ويمكننا أن نحقِّق الشيء ذاته، وسوف نفعل ذلك!".
'سورين كيرن' زميل أقدم في معهد 'جيتستون' في نيويورك. وهو أيضًا زميل أقدم في موضوع السياسة الأوروبية في مجموعة الدراسات الاستراتيجية بمدريد. تابعوه على فيسبوك وتويتر.