البرلمانات الأوروبية التي تسارع إلى الاعتراف بدولة فلسطينية تتجاهل حقيقة بقاء الفلسطينيين دون برلمان فعال على مدى السنوات السبع الماضية.
البرلمان الفلسطيني، والمعروف بإسم المجلس التشريعي الفلسطيني، مصاب بالشلل منذ عام 2007، عندما استلمت حماس بعنف السيطرة على قطاع غزة وطرد السلطة الفلسطينية.
وهذه البرلمانات الأوروبية تغض الطرف أيضاًعن حقيقة أنه في ظل السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحماس في قطاع غزة، لا يوجد احترام لسيادة القانون، وحرية التعبير، والشفافية أو المساءلة.
ومن المفارقات، تزامن تصويت البرلمان الأوروبي مع حملة غير مسبوقة من قبل قيادة السلطة الفلسطينية على المجلس التشريعي الفلسطيني وأمينها العام، إبراهيم خريشة، في رام الله.
أمر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس اعتقال خريشة بتهمة انتقاد رئيس وزراء السلطة الفلسطينية د.رامي الحمد الله. في أعقاب الاحتجاجات القوية من جانب قادة الفصائل الفلسطينية المختلفة، الذين وصفوا القرار بأنه انتهاك صارخ لحرية التعبير، اضطر عباس إلى التراجع.
ولكن بالنسبة لعباس، لم تكن هذه نهاية القصة. بعد إلغاء أمر اعتقال خريشة، أرسل عباس ضباط الشرطة إلى مبنى المجلس التشريعي في رام الله لمنع المسؤول البارز من دخول المجمع. وجود رجال الشرطة عند المدخل الرئيسي للمبنى واجه استنكارات حادة من قبل العديد من الفلسطينيين.
لقد تم فصل خريشة من وظيفته لأنه تجرأ على انتقاد الحكومة الفلسطينية لاعتقالها بسام زكارنة، رئيس نقابة الموظفين العموميين في الضفة الغربية. وقد ندد العديد من الفلسطينيين أيضا باعتقال زكارنة على أنه اعتداء على حقوق العمال ومحاولة لتخويفهم.
لكن البرلمان الأوروبي والبرلمانات الأخرى التي صوتت لصالح الاعتراف بإقامة دولة فلسطينية لا ترى أن هناك حاجة إلى التعليق على تدابير عباس ضد المجلس التشريعي وأحد كبار مسؤوليها.
البرلمانيين في الاتحاد الأوروبي الذين صوتوا لصالح الدولة الفلسطينية هم الأكثر احتمالا أنهم يجهلون ما كان وزير العدل السابق في السلطة الفلسطينية، فريح أبو مدين، ليقول عن سيادة القانون والنظام في السلطة الفلسطينية.
ورسم أبو مدين صورة قاتمة لما ستبدو عليه الدولة الفلسطينية المستقبلية. في مقال إدانه نشره الأسبوع الماضي، أبو مدين كتب: "إن الوضع في فلسطين لا يتفق على الإطلاق مع الديمقراطية أو سيادة القانون، لأن العقلية الفلسطينية هي عقلية خشنة جدا للتعامل مع شفافية القانون ومنظميه وأحكامه ".
هجوم أبو مدين اللاذع، والذي تم توجيهه أولاً وقبل كل شيء ضد عباس، انتهى بمناشدة الفلسطينيين إلى "الاستيقاظ ورؤية غياب القانون والحقوق والأمن" في المناطق التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية وحماس.
أن وزير العدل السابق لدى السلطة الفلسطينية ليس المسؤول الفلسطيني الوحيد الذي يرى أن الدولة الفلسطينية لا يمكن أن تكون دولة ديموقراطية تحت ظل الظروف الراهنة.
حيث نُقل على لسان أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه، والذي لطالما تم اعتباره من أكثر المقربين للرئيس عباس، انتقاده الشديد لنظام حكم رئيس السلطة الفلسطينية واصفا اياه بالديكتاتوري.
وبالاشارة للاسم الحركي للرئيس عباس، تحدث عبد ربه للصحافة قائلا أن أبو مازن يريد تركيز جميع الصلاحيات لديه ولدى المواليين له، فهو يتصرف بشكل ديكتاتوري ويريد الاستحواذ على كل شيء لا سيما ما يتعلق بالمال. وأضاف "أنا لا أعرف ماذا يريد هذا الرجل ولماذا يتصرف بهذا الشكل". كما وتساءل "ماذا سيحدث في حالة غياب أبو مازن عن الساحة؟"
فكما يبدو أن أعضاء كل من البرلمان السويدي والبريطاني والفرنسي وكذلك البرتغالي والذين صوتوا لصالح الاعتراف بدولة فلسطين لا يأبهون لأمر أقرانهم الفلسطينيين الذين حرموا من ممارسة التزاماتهم التشريعية وتأديتها كنتيجة للصراع الدائر على السلطة ما بين حركة حماس وعناصر حركة فتح الموالين للرئيس عباس.
كما ويبدو وأنهم لا يكترثون أيضا اذا ما أضحت الدولة الفلسطينية أحد الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة في المنطقة، والتي يغيب عنها كل من سيادة القانون، والشفافية، وحرية التعبير.
من الواضح أن البرلمانات الغربية لا ترى ضيرا ولا سوءا في تصرفات وسلوكيات القيادة الفلسطينية وحركة حماس. فهم على استعداد للتصويت لصالح دولة فلسطينية حتى وان لم يكن المشهد الفلسطيني متجها وفق أسس ديموقراطية وشفافة.
حيث يبدو في واقع الأمر أن تصرفات البرلمانات الغربية وأعمالها تعارض مصالح الشعب الفلسطيني ولا تصب في صالحه. حيث أن الأخير لا يأمل وجود نظام دكتاتوري فاسد آخر في الوطن العربي. تجدر الاشارة الى أن في تغاضي البرلمانات الغربية عن انتهاكات حقوق الانسان الحاصلة الى جانب الاعتداء على حرية التعبير والأنظمة القضائية والتشريعية في الأراضي الفلسطينية تمهيد للطريق أمام اقامة دولة تخرق القوانين الدولية وتشكل خطرا على أمن الدول الأخرى، وتسمى "فلسطين".