منذ عام 1923 وتركيا جمهورية، وهي ديمقراطية متعددة الأحزاب منذ عام 1946، وعضو في حلف شمال الاطلسي منذ عام 1952. في عام 1987، أضافت مرساة ومرتكزا قويا آخر في الخليج الغربي حيث تريد أن تبقى راسية: تقدمت بطلب الحصول على عضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي. منذ أن جاء حزب العدالة والتنمية الإسلامي، وهو حزب الرئيس رجب طيب أردوغان، إلى السلطة في عام 2002، تم استبدال هذه الرحلة الناقصة وغير المكتملة في إتجاه الغرب بشكل مفاجيء وكبير برحلة أخرى لا إتجاه لها، متعرجة المسار وبحدة بين الشرق والغرب،. ولا يزال هذا التعرج سمة السياسة التركية الرئيسية حتى في يومنا هذا.
حتى صيف عام 2015، كانت تركيا معروفة على نطاق واسع باسم "طريق الجهاد السريع،" وذلك بسبب سياسية التسامح المنهجي مع الجهاديين الذين يعبرون تركيا في طريقهم إلى سوريا المجاورة لمحاربة عدو أردوغان الإقليمي، الرئيس السوري بشار الأسد. قامت تركيا بدعم الجماعات الجهادية المختلفة على أمل أنها سوف تساعد أنقرة في الإطاحة بالأسد. ثم، وتحت ضغط من حلفائها في حلف شمال الأطلسي، قررت الانضمام إلى الحملة الدولية التى تقودها الولايات المتحدة لمحاربة الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، والتي بدورها شعرت بخيانة تركيا لها ومن ثم بدأت في تفجير المدن التركية.
في نهاية عام 2015، خاطرت تركيا وأشعلت التوتر مع روسيا من أجل دفع وتطوير أهدافها المؤيدة للإسلاميين السنة في سوريا. قدمت روسيا، جنبا إلى جنب مع إيران، شريان الحياة الذي احتاجه الأسد للبقاء في السلطة، بينما صعدت تركيا حملتها المناهضة للأسد. في نوفمبر، تعرج تركيا مرة أخرى نحو الغرب عندما أسقطت طائرة عسكرية روسية، قائلة أنها انتهكت مجالها الجوي على طول حدودها مع سوريا. كما هددت تركيا بإسقاط أي طائرة روسية قد تنتهك مجالها الجوي مرة أخرى. وهذه هي المرة الأولى في التاريخ الحديث التي يُسقط فيها عضو في حلف شمال الاطلسي طائرة عسكرية سوفياتية أو روسية.
فرض الرئيس الروسي الغاضب، فلاديمير بوتين، عقوبات اقتصادية قاسية، والتي تكلف الاقتصاد التركي المليارات من الدولارات. وبدأت تركيا في العرج مرة أخرى. في يوليو 2016، اعتذر أردوغان عن إسقاط الطائرة الروسية، وفي أغسطس ذهب الى روسيا من أجل التطبيع. ومرة أخرى، تبدو روسيا عصرية في عيون الأتراك، بينما يبدوالغرب غابرا.
في يوليو 2016، اعتذر أردوغان عن إسقاط الطائرة الروسية، وفي أغسطس ذهب الى روسيا من أجل التطبيع. ومرة أخرى، تبدو روسيا عصرية في عيون الأتراك، بينما يبدوالغرب غابرا. في الصورة: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس الوزراء آنذاك أردوغان، يلتقيان في اسطنبول، تركيا، في 3 ديسمبر عام 2012. (مصدر الصورة: الكريملين) |
يتهم أردوغان ورجاله الآن حلف شمال الأطلسي، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، بأنهما قد شاركا بصورة ما في انقلاب 15 يوليو الفاشل، والذين يدعون أن فتح الله غولن، الباحث أو الداعية الإسلامي المقيم في عزلة بالولايات المتحدة، على صلة بهذا الانقلاب. ووفقا لوزير الدفاع التركي فكري اسيك، يجب على الناتو أن يجلس ويفكر كيف أخطأ في استجابته لمحاولة الانقلاب في تركيا. وفقا لوزير العدل التركي، بكير بوزداج، إذا رفضت الولايات المتحدة تسليم غولن، فهي سوف تضحي بتحالفها مع تركيا من أجل "إرهابي."
علاقة حب تركيا الجديدة مع روسيا سوف تكون لها حتما تداعيات في سوريا، وهو ما تسر به إيران. كتب ميرا سفيرسكي، ويعمل في مشروع كلاريون "ليس فقط على تركيا 'هضم' وتحمل المحور [الروسي الإيراني السوري]، بل سيكون عليها الانضمام إليه، والدخول في اتفاق مع بوتين وآيات الله. ومن الواضح أن هذا هو المحور الذي قرر أردوغان أنه هو أفضل محور ينضم إليه ويلتزم بالولاء له." وهناك بالفعل علامات على ذلك.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن تركيا وروسيا لديهما وجهات نظر متشابهة فيما يخص الحاجة لوقف إطلاق النار في سوريا، وتقديم المساعدات الإنسانية، وإيجاد حل سياسي لإنهاء الأزمة. أدى ذلك بالتأكيد إلى ابتسامات خجولة في موسكو: جون واين التركي على ركبتيه يتسول من أجل العمل والتعاون في سورية بعد أشهر فقط من تهديده بإسقاط أي طائرة روسية وبطرد الروس من سوريا. الآن تركيا تدعو روسيا إلى العمل معا كفريق واحد والقيام بعمليات عسكرية مشتركة في محاولة لسحق تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا.
عقب العرج التركي الأخير، وجدت تركيا وروسيا أين يلتقيان: بوتين يتهم الغرب بخرق الاتفاقات من جراء قيامه بمد وانتشار حلف شمال الأطلسي إلى حدود روسيا وإثارة الاضطرابات في جورجيا وأوكرانيا المجاورتين، بينما في تركيا، تتهم وسائل الإعلام المؤيدة لأردوغان الولايات المتحدة بتدبير الانقلاب. بل أن هناك إشارات أكثر إثارة للقلق تصدر عن أنقرة. قال جاويش أوغلو، وزير الخارجية، إن تركيا قد تبحث عن التعاون الدفاعي خارج حلف شمال الاطلسي.
وصف فؤاد كافور، المخرج والمنتج السينمائي البارز، ومقره لندن، العرج التركي في رسالة خاصة (نُقلت بإذن):
"تُذكرني مناورات أردوغان الأخيرة بالكيفية التي خدع بها هتلر الغرب، قبل أربعة أيام من غزوه بولندا، كان الغرب، السائر وهو نائم، مقتنعا تماما أن هتلر على وشك مهاجمة الاتحاد السوفياتي، لأنه كان قد أتى إلى السلطة على أساس من مناهضة الشيوعية. استيقظ الغرب فقط عندما وقع فون ريبنتروب في 23 أغسطس 1939 مع مولوتوف على معاهدة أو إتفاق عدم الاعتداء، وفي 1 سبتمبر، استولى هتلر على نصف بولندا، وبعد بضعة أيام، استولى ستالين على النصف الآخر.
"ما هو المغزى من القصة؟ حتى بضعة أسابيع مضت، كان الغرب مرتاحا مطمئنا ويُمني نفسه بأن أردوغان، على الرغم من نواقصه وعيوبه، هو حليف مخلص للولايات المتحدة، ومرشح حريص على الانضمام للاتحاد الأوروبي. ألم يسقط طائرة حربية روسية منذ وقت قريب؟ ثم فجأة، ماذا نرى؟ بوتين وأردوغان يتبادلان القبلات ويتصالحان ... إنها مسألة عدو عدوي..."
منذ البداية، كانت روسيا كبيرة جدا بالنسبة لتركيا، لا تستطيع تركيا قضمها. خسائر تجارية ببضعة مليارات من الدولارات مع رسائل ودية من الحلفاء الغربيين تُذكر تركيا أن عليها مواكبة المعايير الديمقراطية والالتزام بها كانت لتكون كافية لكي تركع أنقرة- ولكي تقدم فاصلا جديدا من العرج. ولن يكون هذا، في جميع الاحتمالات، الفاصل الأخير من العرج.
بوراك بيكاديل، ومقره أنقرة، هو كاتب عامود تركي بصحيفة حريت اليومية وزميل في منتدى الشرق الأوسط.