في الرابع عشر من يوليو 2015، توصلت إيران والقوى العالمية الستة المعروفة ب ٥+١(الصين، فرنسا، ألمانيا، روسيا، المملكة المتحدة، والولايات المتحدة) إلى إتفاق حول برنامج إيران النووي. كان الغرض من الإتفاق هو كبح جماح طموحات إيران النووية ووقف تطور قدرات طهران النووية.
وتعهد الرئيس أوباما بألا يكون الإتفاق قائما على الثقة وحسن النية وإنما على الأدلة التي يمكن أن يتم التحقق منها. إلا أن ما تكشف عنه الوثائق السرية وما نعرضه فيما يلي من خرق إيران للإتفاق النووي إنما يظهر بوضوح خلاف ذلك.
على الورق، يشترط الإتفاق النووي، خطة العمل الشاملة المشتركة ، سلسلة من الإجراءات واللوائح المنظمة، وآليات رصد ومراقبة، وقيود على أنشطة إيران النووية، ولكن كيف تتمكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الإبقاء على معايير الشفافية تلك والعمل بها وإتباع الإجراءات واللوائح المنظمة المقترحة؟ كيف تستطيع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التأكد من أنها قادرة على الكشف عن كل الأنشطة النووية غير المشروعة في بلد ترتيبه الثامن عشر من حيث كبر المساحة بين بلدان العالم.
لإيران تاريخ من خداع وكالة الطاقة الذرية الدولية حيث قامت بأنشطة نووية سرية في أراك، وناتانز، وفدرو.
إن مفاعل الماء الثقيل بأراك، في إيران، قادر على إنتاج البلوتونيوم. (مصدر الصورة: ويكيميديا كومونز) |
أحد الأمور الأساسية المثيرة للقلق بخصوص الإتفاق هو أن الحكومة الإيرانية تستطيع وبسهولة أن تواصل برامجها السرية بعد أن تجني ثمار الإتفاق-- إلغاء حزم العقوبات الدولية الأربعة التي فرضها أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والسماح لإيران ببيع النفط بالقدر الذي تريده، وعودتها للنظام المالي العالمي، والحصول على مليارات الدلارات من الأصول والودائع المجمدة وفوائدها المتراكمة.
مع مرور عام على الإتفاق النووي، يكشف تقريران استخباريان يتمتعان بالمصداقية وحسن التوقيت أن إيران لا نية لديها لاحترام شروط الإتفاق، التي هي على أية حال لم توقع عليه.
كشفت وكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية، المكتب الفيدرالي لحماية الدستور، في تقريرها السنوي أن الحكومة الإيرانية مازالت تسعى وتبحث عن طريق "سري" للحصول على تكنولوجيا ومعدات نووية غير مشروعة ، تتمتع "بمستوى عال من الناحية الكمية، حتى بالمعايير الدولية" وذلك من شركات ألمانية.
ينص تقرير الاستخبارات أيضا على "أنه من الأسلم أن نتوقع أن إيران سوف تواصل أنشطتها المكثفة في ألمانيا باستخدام أساليب سرية غير شرعية للحصول على ما تريد وتحقيق أهدافها." حتى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل انتقدت إيران وشددت على خطورة وأهمية ما كشف عنه هذا التقرير، وذلك في بيانها أمام البرلمان الألماني.
على الرغم من أن ألمانيا لم تحدد بدقة ما الذي كانت تحاول إيران شراءه، إلا أن تقريرا مفصلا ثانيا من إعداد معهد العلوم والأمن الدولي يبدو أنه يلقي الضوء على هذا الأمر. جاء في التقرير:
"وصل إلى عِلم معهد العلوم والأمن الدولي أن هيئة الطاقة الذرية الإيرانية قد قامت في وقت قريب بمحاولة لشراء أطنان من ألياف الكربون من بلد ما. ولقد قامت بهذه المحاولة عقب يوم تنفيذ وتطبيق خطة العمل الشاملة المشتركة. لقد تم رفض محاولة الحصول على ألياف الكربون من قبل المورد وحكومته. وكانت هيئة الطاقة الذرية الإيرانية تمتلك من ألياف الكربون ما يكفي لاستبدال أجهزة الطرد المركزي بأخرى متقدمة ولم تكن في حاجة إلى كميات إضافية خلال الأعوام العديدة القادمة، فما بالك من سعيها راء أطنان من ألياف الكربون. وبالتالي هذه المحاولة تثير المخاوف بشأن ما إذا كانت ايران تعتزم التقيد بالتزاماتها في إطار خطة العمل الشاملة المشتركة. على وجه الخصوص، قد تسعى إيران لتخزين ألياف الكربون بحيث تكون قادرة على بناء أجهزة طرد مركزي متقدمة تتجاوز الاحتياجات الحالية وفقا لإطار خطة العمل الشاملة المشتركة، مما يمنح إيران ميزة تسمح لها بالإسراع في بناء محطات أو مراكز لتخصيب اليورانيوم بواسطة أجهزة متقدمة للطرد المركزي، وذلك إن هي اختارت الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة أو عدم العمل والتقيد بها خلال السنوات القليلة المقبلة. إن محاولة شراء ألياف الكربون هي مثال آخر على جهود الخمسة زائد واحد في الإبقاء على التصرفات الإيرانية المريبة طي السرية والكتمان."
يوضح التقرير، الذي كتبه أندريا ستريكر وديفيد أولبرايت (مفتش نووي سابق بالهيئة الدولية للطاقة الذرية التابع للأمم المتحدة)، أن على الحكومة الإيرانية ضرورة طلب الإذن من لجنة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قبل "شراء السلع ذات الاستخدام المباشر في الأنشطة النووية."
قضية حاسمة أخرى هي كشف النقاب عن اتفاق سري، والذي حصلت وكالة اسوشيتد برس على نسخة منه، والذي يُفصح عن أن الاتفاق النووي الإيراني لن يرفع القيود المفروضة على برنامج إيران النووي بعد التوقيع على الاتفاق النووي، لكنه سوف يرفعها قبل وقت طويل من انتهاء صلاحية وعمر الإتفاق.
وفقا للإتفاق السري، فإن الإتفاقية النووية سوف تُمهد الطريق أمام القادة الإيرانيين لتعزيز قدراتهم النووية بل وتجعلهم قادرين على خفض الفترة اللازمة كي يصبحوا قادرين على صناعة الأسلحة النووية من سنة إلى ستة أشهر، أي قبل وقت طويل من انتهاء الاتفاق النووي.
لم تنشر إدارة أوباما هذه الوثيقة للجمهور حتى الان. من سرب الوثيقة السرية لوكالة الاسوشيتد برس هو دبلوماسي يعمل على البرنامج النووي الإيراني، وهوكان قد طلب عدم الكشف عن هويته:
"الدبلوماسي، الذي سرب الوثيقة لوكالة اسوشييتد برس، وصف الإتفاق بأنه إتفاق إضافي للإتفاقية النووية. وبينما هو من الناحية الرسمية منفصل ومستقل عن تلك الإتفاقية، إلا أنه في الواقع جزء لا يتجزأ من الصفقة التي تمت الموافقة عليها من جانب كل من إيران والولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، الدول الست التي تفاوضت مع طهران ".
وتشير هذه الوثيقة إلى أن إيران يمكنها تركيب الآلاف من أجهزة الطرد المركزي، والتي تمثل خمسة أضعاف ما تملكه في الوقت الراهن، فضلا عن تخصيب اليورانيوم بوتيرة أسرع مما عليه الحال الآن، وأيضا قبل وقت طويل من انتهاء مدة الاتفاق.
وفقا لأسوشيتد برس:
"تقوم أجهزة الطرد المركزي بتخصيب اليورانيوم إلى مستويات تتراوح ما بين: مستويات تؤهله للاستخدام كوقود للمفاعلات النووية وكذلك لأغراض طبية وبحثية، إلى مستويات أعلى من ذلك بكثير تُستخدم في صناعة الأسلحة والرؤوس النووية. تقول الوثيقة من العام 11 إلى العام 13، تصبح إيران قادرة على تركيب أجهزة طرد مركزي تبلغ كفاءتها خمسة أضعاف كفاءة الخمسة آلاف جهاز التي تملكها الآن والتي لا تستطيع استخدامها من جراء الحظر الواقع عليها.
"وفقا للوثيقة، هذه الطرازات الجديدة سيكون عددها أقل من تلك المستخدمة الآن، والتي تتراوح ما بين 2500 و 3500، اعتمادا على كفاءتها. ولأنها أكثر فعالية، سوف تسمح لإيران بتخصيب أكثر من ضعف ما تقوم بتخصيبه الآن."
وتضيف وكالة أسوشيتد برس:
"تسمح الوثيقة أيضا لإيران وبدرجة كبير بتوسيع وتطوير استخدامها لأجهزة الطرد المركزي الأكثر تقدما، بما في ذلك إجراء اختبار على نطاق واسع استعدادا لانتهاء الإتفاق بعد 15 عاما من البدء في تنفيذه في الثامن عشر من يناير ... الوثيقة هي النص الوحيد السري ذو الصلة بإتفاقية العام الماضي بين إيران والستة قوى الأجنبية. وينص على أنه بعد فترة ما بين 11 إلى 13 سنة، تستطيع إيران أن تُحل ما يصل إلى 3500 جهاز طرد مركزي حديث عال الكفاءة محل 5060 جهاز ضعيف الكفاءة. ولأن كفاءة الأجهزة المتقدمة هي خمسة أضعاف كفاءة الحالية، تنخفض المدة التي تحتاجها إيران لصناعة السلاح النووي من سنة إلى ستة أشهر."
الأهم من ذلك، أن هذه الوثيقة وبقية الاتفاق النووي يعجزان عن توضيح ما هي قواعد الحد من الانتشار النووي التي سوف تُطبق على إيران بعد مرور الثلاثة عشر عاما. التفسير الوحيد هو أنه طالما لم يتم تحديد أي قيود، سوف تكون إيران حرة في أن تفعل ما تريد عندما يتعلق الأمر ببرنامجها النووي، بما في ذلك تركيب أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، وتخصيب اليورانيوم، والحصول على قنبلة نووية.
احتجت إيران على الكشف عن هذه الوثائق. وقال المتحدث باسم هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمال فندي، الأسبوع الماضي أن "فقرات [الوثيقة] التي نشرت كانت سرية، وكان من المفترض أن تظل كذلك. ... ونحن نفترض أنه قد تم تسريبها من قبل الوكالة (الدولية للطاقة الذرية) ".
أكد رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي، على سرية هذه الوثائق "نحن لا ننوي جعل هذه الخطة معروفة للجمهور وأن ما قامت به الوكالة الدولية للطاقة الذرية هو خرق لما وعدت به."
يكشف هذا أيضا عن أن الرئيس أوباما أراد من الكونغرس التصديق على إتفاقية لم يتم الإفصاح عنها أو عرضها بالكامل.
مشكلة أخرى تواجه الإتفاق النووي وتتعلق بالإجراء الذي ينبغي القيام به حال انتهكت إيران الإتفاق. على الورق، ينص الإتفاق النووي على إعادة فرض العقوبات على إيران.
صرح الرئيس أوباما مرارا وتكرارا أن العقوبات يمكن بسرعة وسهولة إعادة فرضها إذا انتهكت إيران شروط الإتفاق. ومع ذلك، فإن الأمر ليس حقا بهذه البساطة. بمجرد رفع الحزم الأربعة من العقوبات، فإن إعادة فرض أي حزمة من العقوبات سوف يتطلب موافقة جميع الأعضاء الخمس في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وغني عن القول أن الحصول على موافقة الصين وروسيا لن يكون سهلا على خلاف ما أوحى به السيد أوباما.
ماذا كان رد فعل الرئيس أوباما لتقريري الاستخبارات الهامين؟ الصمت. تواصل إدارة أوبام تجاهل وتفادى الأسئلة المتعلقة بهذه المسألة. وعندما سُئل عن تقرير المخابرات الألمانية وتقريرمعهد العلوم والأمن الدولي، قال متحدث باسم وزارة الخارجية، "ليس لدينا على الإطلاق أي دليل على أن إيران حاولت شراء أو اشترت أي مواد مخالفة لما جاء في خطة العمل الشاملة المشتركة.
كلما زاد البيت الأبيض في غض الطرف عن انتهاكات إيران للإتفاق النووي، كلما ازدادت جرأة إيران على انتهاك القوانين الدولية وبنود الإتفاق النووي.
دكتور ماجد رافيزاده، من علماء السياسة وعلماء جامعة هارفارد، هو رئيس المجلس الأمريكي الدولي لشؤون الشرق الأوسط. يمكن مراسلته على: dr.rafizadeh@post.harvard.edu