على مدى السنوات الخمسة عشر الماضية، كان لعملية الأسلمة التي تسسللت إلى تركيا وتغلغلت فيها وكأنها مخدرة ومنومة العديدُ من التطورات المفاجئة والمقلقة: معاداة السامية، وكراهية الأجانب، وتآكل الحياة الاجتماعية العلمانية، وهيمنة الأغلبية (الإدعاء بأن من حق الأغلبية التمتع بالهيمنة والسيادة والأولوية)، إلا أن الأمر لم يقتصر على كل ذلك فقط، حيث أن أسلمة المجتمع التركي قد جعلت الحياة أكثر صعوبة بالنسبة للنساء.
في عام 2015، جاءت تركيا في المرتبة المائة والثلاثين (130) في المساواة بين الجنسين وذلك ضمن مجموعة من 145 بلدا. وهي نتيجة لا غرابة فيها. في العام السابق على تلك النتيجة، كشف الرئيس رجب طيب أردوغان عن اعتراضه على المساواة بين الرجال والنساء، قائلا: "المساواة بين المرأة والرجل هو قول أو أمر ضد الطبيعة."
كل ذلك إنما يتناقض ويتعارض مع مبادئ العلمانية التي يقاتل أردوغان ومنذ زمن بعيد من أجل الردة عنها ومحوها. لقد نالت المرأة التركية حق الاقتراع والتصويت في الانتخابات في تاريخ مبكر هو عام 1934، أي قبل 25 عاما من حصول النساء السويسريات على نفس الحق. الآن، وبعد 82 عاما من فوز النساء التركيات بالحق في التصويت، ينبغي عليهن أن يستمعن إلى رئيسهن، أردوغان، وهو يُنعم عليهن بحقوق المرأة "على الطريقة التركية." قال أردوغان "ليس علينا بالضرورة أن نعبر وندافع ونطبق حقوق المرأة بالصورة أوالأسلوب الذي نراه في في الغرب."
ليس أردوغان بالشخص الوحيد الذي يرى أن أفضل دور للمرأة هو دورها كأم. زوجته، السيدة الأولى في تركيا، ايمين أردوغان، صدمت العديد من الناس عندما قالت أن الحرملك في العصر العثماني كان "مركزا تربويا وتعليميا قام بإعداد النساء للحياة".
إذا كانت تلك هي عقلية أقوى رجل في تركيا، فإن الحياة سوف تصبح أكثر صعوبة للمرأة التركية الحديثة، خاصة تلك التي تتمرد أوتعارض.
في مايو الحالي، أصدرت محكمة تركية حكما بالسجن عشرين شهرا على السيدة آرزو يلدز، وتعمل صحافية، لعرضها لقطات فيديو لأسلحة تحملها شاحنات تتبع على ما يبدو المخابرات التركية وهي في طريقها إلى العديد من الجماعات الإسلامية المتطرفة (الإسلاموية) في سوريا. وغضب أردوغان غضبا شديدا من عرض الفيديو، وأدعى أن البحث عن الشاحنات وتعقبها وبعضا من التغطية الإعلامية ما هي إلا جزء من مؤامرة حاكها وخطط لها خصومه السياسيون من أجل تشويه سمعته وإحراج تركيا.
إلا أن القضية المرفوعة ضد الصحافية، يلدز، فضلا عن أنها تضمنت حكما بالسجن، إنما تمثل قضية ذات خصوصية متميزة. ففي مايو الحالي تم الحكم على يلدز بالسجن عشرين شهرا وبحرمانها من حقوقها كأم وذلك من جراء نشرها وفضحها لوقائع محاكمة.
ويصر الرئيس أردوغان أن تلك المركبات إنما كانت تحمل مساعدات إنسانية، وأتهم أعضاء النيابة العامة "بالخيانة والتجسس"، وبأنهم عملاء خصمه فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة.
وألقي القبض على أعضاء النيابة العامة وتم تقديمهم للمحاكمة في جلسة مغلقة، ثم تم الحكم عليهم بالسجن. إلا أن يلدز حصلت على فيديو لإجراءات المحاكمة، ونشرت على موقع اليوتيوت شهادات الإدعاء والتي تتناقض مع إدعاءات الحكومة.
قالت يلدز لتليفزيون ارزينكان: " لا يستطيع أحد أن يأخذ أولادي بعيدا عني ... ولا حتى السلطان نفسه، ناهيك عن المحكمة."
جردت المحكمة يلدز من حقوقها القانونية فيما يتعلق بأطفالها وذلك لخرقها سرية قضية تنظرها المحكمة. وينص منطوق الحكم على أنه سوف يتم حرمان الصُحُفية من وصايتها القانونية على أطفالها، مستندا إلى مادة أو فقرة في قانون العقوبات التركي. ويعني قرار المحكمة أنها لن تكون قادرة على تسجيل أبنائها في المدارس، أو فتح حسابات مصرفية لهم، أو سفرهم إلى الخارج معها دون مرافقة والدهم.
إلا أن النساء- ووفقا لرواية رسمية- ربما يواجهن مآسي أسوأ من ذلك في تركيا أردوغان. كشف رئيس دائرة بمحكمة الاستئناف العليا أن ما يقرب من 3000 حالة زواج مسجلة كانت قد تمت بين ضحايا الاعتداءات الجنسية من النساء، بما في ذلك ضحايا الاغتصاب، وبين من قاموا بالاعتداء عليهن، وشهد قاض كبير في حديثه إلى لجنة برلمانية بأن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين خمسة و 18 عاما يمكن أن يكونوا عرضة للاعتداء الجنسي في تركيا، وأن الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 12 و 15 عاما يسهل خداعهن من قبل المعتدين. واستشهد القاضي بقضية بعينها تضمنت قيام ثلاثة رجال بخطف واغتصاب فتاة، ثم تزوجها واحد منهم ومن ثم تم رفع أو إلغاء العقوبات التي سبق وتم الحكم بها على كل من الثلاثة. هي عروض زواج، ولكن على الطريقة التركية.
بدلا من تمرير وإصدار تشريع لتعديل تلك المواد البشعة في قانون العقوبات، يستمر أردوغان في تنفيذ ما يسمى "بالهندسة الأسرية" تمشيا مع فكره الإسلامي المتطرف (الإسلاموي). قال أردوغان مؤخرا لجمعية نسائية أن النساء اللاتي لا أبناء لهن هن "ناقصات غير مكتملات." وقال أن "رفض الأمومة هو تخلي عن الإنسانية" وأن "تنظيم الأسرة ووسائل منع الحمل ليست للعائلات المسلمة".
لقد كافح مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة، كفاحا شديدا وجادا كي يمنح النساء التركيات ما كانت تتمتع به أقرانهن الغربيات في البلدان الأكثر تحضرا ومدنية في العالم. أردوغان مشغول الآن بالردة عن إرث أتاتورك والتخلص منه، ذاك الإرث الذي أنتج نساء تركيات تفكرن بطريقة غربية وفخورات بأنفسهن ووطنهن.
بوراك بيكديل، يقيم في أنقره، هو كاتب عمود تركي بصحيفة هُريت دايلي، وزميل منتدى الشرق الأوسط.