في حين أنّ الحروب تدور في شمال أوروبا والشرق الأوسط، مع اقتراب التصاعد العالمي من جديد، فإنّه يسر القلب أن نتذكر شجاعة الناس الذين قاتلوا من أجل وطننا وواجهوا الجهات الفاعلة الخبيثة الساعية الى التغلب على قيم الحرية الفردية في الغرب ورفاهية السلام.
يبدو أنّ العصر الحالي يتسم بالنرجسية والأخلاق النسبية أكثر من الشجاعة والدفاع عن الوطن. إنّ هذا العصر هو العصر الذي يطلب فيه الكثير من أفراد المجتمع هوية سطحية عن طريق الذين يروجون للمفاهيم العرقية أو السياسية، مع الاستخفاف بالقضايا الكبرى المتمثلة في الوطنية ووجوب حماية الوطن، حيث يستخف الكثير من المنظرين بمفهوم العائلة التقليدي الذي يجعل من الممكن الازدهار. وبالنسبة لبعض الناس، فإن الدار لم تعد تُعتبر ضرورةً أساسية.
على مر تاريخ الحضارة، اشتق جوهر المجتمع من الوحدة العائلية، مع دارها وقلبها، وهي ملجأ يستطيع أفراده أن يحظوا بالحب والمحبة والراحة. إنّ الوحدة العائلية هي عبارة عن ملاذ. ولاحظ ألكساندر غاولاند (Alexander Gauland)، وهو رئيس حزب "البديل من أجل ألمانيا" (Alternative für Deutschland) الذي يتعرض للكثير من النقد: "لا نسعى الى الدفاع عن المسيحية باي شكل ديني، بل ندافع عنها كطريقة تقليدية للحياة ومفهوم تقليدي للدار."
إنّ فكرة الدار محورية بالنسبة لكل الناس. وبالنسبة للشعب اليهودي، فمكّنهم دينهم المشترك وفكرة الدار من الحفاظ على هويتهم وتراثهم فرداً وشعباً، وذلك على الرغم من تشردهم بين الثقافات الأجنبية. لذلك، لم تمت فكرة الصهيون على مر السنين في الشتات. لقد كتب شعار "السنة القادمة في القدس" (לשנה הבאה בירושלים) على القلوب اليهودية منذ قرون.
يمثل مفهوم الدار بمعنى من المعاني شكلاً من أشكال القومية التي تتطلب الموالاة العميقة. يفهم الشعب الإسرائيلي جيداً ضرورة هذا المثل الأعلى المتمثل في الدار، ويصفونه بأنّه الصهيونية التي ليست إلا محاولة لإقامة وطنهم في عالم معاد.
وتنتطق الإرادة لتأمين طريقة حياة قائمة على القيم اليهودية المسيحية التليدة على المؤسسين والقادة المبدعين لدولة إسرائيل، بما في ذلك (بين الشخصيات البارزة الأخرى) ثيودور هرتزل (Theodor Herzl) ودافيد بن غوريون (David Ben-Gurion) وجولدا مائير (Golda Meir) ومناحم بيجن (Menachem Begin) وبنيامين نتنياهو الذي يصفه أندرو روبرتس (Andrew Roberts) بأنّه "تشرشل الشرق الأوسط." كل هؤلاء رجال ونساء كبار لم يحيدوا عن رؤيتهم لسلامة وطنهم الحبيب وأمانه، وذلك على الرغم من كل ما تعرضوا له من نقد شديد. وعلى الرغم من الغضب العالمي الموجه بشكل خاطئ في كثير من الأحيان، إلا أنّهم شجعوا شعبهم على الدفاع عن كل ما تعود ملكيته لهم، وذلك ليس من أجل أنفسهم فحسب، بل من أجل الأجيال القادمة أيضاً.
إنّ الشعب الإسرائيلي يحبون السلام. لا يسعون بشوق الى الانخراط في المعارك، ولا يريدون التدمير والقتل، إلا أنّهم يجدون أنّهم مضطرون الى الدفاع عن وطنهم ودينهم وحقهم في العيش بسلام. ومما يثير القلق أنّهم محاصرون من قبل من يرفضون حقهم في العيش. في المقابل، يبدو أنّ التنظيمات الإرهابية مثل حماس وداعش يدفعها العدوان، وحتى حب العنف في بعض الأحيان، حيث يعتقد الكثير من الناس أنّه مشرع إلهياً.
وعلى الرغم مما يتعرض له الجنود الإسرائيليون من الخطر الشخصي والتزامهم غير المسبوق بعدم تعريض حياة أي شخص للخطر بشكل لا داعي له، إلا أنّهم لا يدافعون عن وطن أجدادهم فحسب، بل عن حرياتهم الجوهرية وحقهم في وطن يشكل الحضارة الغربية نفسها أيضاً. ولكنه يبدو في هذا الوقت أنّ الإسرائيليين منفردون في مهمتهم، ويواجهون باستمرار عقبات يضعها حلفاؤهم المزعومون على الطريق الى النصر السريع.
بالإضافة الى التفاوض على السياسات المعقدة والمترددة للإدارة الأمريكية الحالية، تتعرقل جهود إسرائيل للقتال من أجل القيم الغربية بسبب السياسيين الذين قد تكون لهم نوايا حسنة إلا أنّهم سذج، مثل قادة إيرلندا والنرويج والصين وإسبانيا، وهم اعترفوا بدولة فلسطينية تفتقر الى حدود ويحكمها إرهابيون يريدون ارتكاب إبادة جماعية.
إنّ الصين وإيرلندا وإسبانيا دول لها تاريخ طويل من المواقف العنصرية. أما النرويج، فعلى الرغم من مقاومتها العجيبة في الحرب العالمية الثانية، إلا أنّها أرسلت يهودها الى معسكر أوشفيتس.
هل تستعد إسبانيا فعلاً للاعتراف بدولة كتالونيا مستقلة؟
أمّا إيرلندا، فلم تقترح تطهير دولتها المجاورة من الإسكتلنديين والبريطانيين والويلزيين واستبدالهم بالكاثوليك الإيرلنديين، حتى خلال ذروة "المشاكل." ومنذ 7 أكتوبر، قيل إنّ العنصرية في إيرلندا تفاقمت بشكل كبير.
وهل تستعد الصين فعلاً للاعتراف الرسمي باستقلال تايوان وهونغ كونغ وتيبت والأويغر؟ لقد حاولت الصين القضاء على أهل تيبت، كما اضطهدت البوذيين والمسلمين والمسيحيين، وترتكب حالياً إبادة جماعية بحق الأويغر.
أما إسبانيا، فهي بالطبع دار "محاكم التفتيش"، وطردت كل اليهود في عام 1492. وخلال الحرب الأهلية الإسبانية في عام 1937، بنى الجنرال فرانسيسكو فرانكو "نظامه على تشويه صورة اليهود، وحاول لاحقاً أن يخفي الأمر." حتى قبل عقد فقط، تسمّت إسبانيا بالبلد الأكثر معاداةً للسامية في أوروبا." ومنذ تاريخ 7 أكتوبر، شهدت إسبانيا "ارتفاعاً في معاداة اليهود بما يثير الخوف بشكل حقيقي." ليس الكراهية تجاه الإسرائيليين، بل الكراهية تجاه اليهود.
إنّ هذه الدول المخادعة ودولة قطر (التي تسمى ب"حصان طروادة" في واشنطن وتبقى الجهة الرئيسية لدعم الإرهاب الإسلاموي وحمايته وتكبير صوته) تقول إنّها ستعترف بدولة لا بد لها من أن تصبح ملاذاً للإرهاب وتهدد مرة أخرى حق إسرائيل في وطن أجدادها، حيث أنّ حركة حماس وعدت بذلك، كما كتب معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط (MEMRI) في تقرير:
"مسؤول حماس غازي حمد: سنكرر هجوم 7 أكتوبر، مرة تلو أخرى، حتى يتم القضاء على إسرائيل. نحن ضحايا، وكل ما نفعله مبرر."
ومع الخطوات السياسية المعادية التي اتخذتها دول غربية مختلفة ضد إسرائيل، تواجه إسرائيل أيضاً محاكمات غير مشروعة من قبل الأمم المتحدة ووكالاتها. بالطبع الأمم المتحدة نفسها ووكالاتها المتعددة لديها تاريخ تحيز ضد إسرائيل، ولكن محكمة العدل الدولية تتجاوز حدود ولايتها بما أنّه لا يحق لها من حيث ولايتها أن تحكم في الاتهامات التي وجهتها جمهورية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل. وما يزيد الطين بلةً، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال تفتقر الى أساس قانوني قوي بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع الإسرائيلي (هنا وهنا).
ومع بروز سحاب الحرب عبر العالم، تحاول إيران أن تصبح الدولة المهيمنة في الشرق الأوسط، وتطور برنامجها الخاص بالأسلحة النووية والصواريخ الباليستية.
في شرق أوروبا، يبدو أنّ روسيا التي سيطرت على جزء من جورجيا في عام 2008 وكل شبه جزيرة القرم في عام 2014، تستعد للسيطرة على أراضي أوكرانيا بقدر استطاعتها. ويكون من المتحمل أن تواصل روسيا مشاريعها من هناك بعون الصين وكوريا الشمالية وإيران، حيث ستحاول تمديد نفوذها بقوة. أمّا الصين، فلا تحيط تايوان والفلبين فحسب، بل تتموضع بشكل استراتيجي من أجل مواجهة اليابان وأستراليا والهند وأهداف أخرى في منطقة المحيط الهادئ الهندي أيضاً.
في الولايات المتحدة، دخل أكثر من عشرة ملايين مهاجر غير قانوني خلال السنوات القليلة الماضية، بما ذلك 1.7 مليون "ناجٍ" (أي الذين نجوا من الكشف ولا يعرف عنهم شيء). ومن بين الداخلين ما يقارب 40.000 صيني، ويصل الكثير منهم أفواجاً وهم شباب في سن الخدمة العسكرية ومخرّبون محتملون. وافترض وزير الخارجية الأمريكية السابق مايك بومبيو (Mike Pompeo) أنّ الحزب الشيوعي الصيني هو "داخل الأبواب"، حيث ينتظر الأوامر من بكنغ. وفي السنة الماضية تم العثور بصدفة على المزيد من الدليل على ذلك في مختبر تحت إدارة صينية في بلدة ريدلي (Reedley) بولاية كاليفورنيا، حيث تعرض ما يزيد على ألف فأر للهندسة الوراثية من خلال ادخال مسببات الأمراض القاتلة فيها، فكان من الممكن أن يتم إطلاق الفئران لتكون أسلحة حيوية صغيرة عبر الولايات المتحدة. بالإضافة الى ذلك، تشتري الصين أكثر من 340.000 فدان من الأراضي الزراعية الأمريكية التي هي قريبة من المنشآت العسكرية في الكثير من الأحيان، كما أرسلت منطاداً تجسسياً فوق المواقع العسكرية الأمريكية الأكثر "حساسية." ويذكر أنّ الصين سرقت كميات لا تحصى من الممتلكات الفكرية الأمريكية الحساسة، وذلك على حساب التفوق التكنولوجي الغربي.
في المعركة الحاسمة من أجل القيادة العالمية، لا يمكن أن تكون المخاطر أكبر. في شهر أبريل من هذه السنة، دعا أكثر من ألف متظاهر الى إقامة خلافة تحت حكم الشريعة.
لا يمكن أن يكون إلا منتصر واحد.
قال الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغن (Ronald Reagan): "نحن ننتصر وهم يخسرون." ينبغي ان يكون ذلك موقف الغرب إذا أراد أن ينجح ضد الجهات الفاعلة العالمية الخبيثة التي تسعى الى اسقاطه. ولكن الولايات المتحدة والكثير من الدول الحليفة تواجه صراعات اجتماعية داخلية بالإضافة الى التهديدات الخارجية. أمّا الدول الأصغر مثل إسرائيل وأوكرانيا وتايوان والفلبين، فهي بمثابة "عصافير الكناريا في منجم فحم"، وتعتمد على دعم الدول الغربية الكبرى إذا لم ترد القوى الغربية أن تفشل.
إنّ حماة إسرائيل يتجاوزون بشجاعة التحديات التي يواجهها وطنهم وأرضهم ودينهم. إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تمثل مؤسسات الديمقراطية والحرية الشخصية وحقوق الإنسان في تلك البقعة من الأرض. إنّ إسرائيل، كما هو الحال مع أوكرانيا وتايوان، تستحق القتال من أجل حمايتها. يضحي المواطنون الإسرائيليون بحياتهم كي لا ينبغي لنا ان نقوم بذلك. إنّ أقل ما يمكننا فعله هو إزالة العقبات أمامهم ومساعدتهم. هم أبطال. يستحقون شكرنا ودعمنا.
نيلس أي هوغ (Nils A. Haug) هو مؤلف وكاتب عمودي. هو محامٍ من حيث العمل المهني، وعضو من أعضاء نقابة المحامين الدولية وجمعية العلماء الوطنية وأكاديمية الفلسفة والأدبيات. حالياً هو متقاعد، ويهتم على وجه التحديد بالتقاطع بين الثقافة الغربية والنظريات السياسية والفلسفة واللاهوت والأخلاق والقانون. لديه شهادات مختلفة، بما في ذلك ماجيستر (مع ثناء) في دراسات الكتاب المقدس ودكتوراه في اللاهوت (الدفاعيات). ألف الدكتور هوغ كتاب "السياسة والقانون والفوضى في جنات عدن- البحث عن الهوية" (Politics, Law and Disorder in the Garden of Eden- the Quest for Identity) وكتاب "أعداء الأبرياء- الحياة والحقيقة والمعنى في عصر مظلم" (Enemies of the Innocent- Life, Truth and Meaning in a Dark Age). وتم نشر مقالاته في "كوادرانت" (Quadrant) و"فرست ذينغس جورنال" (First Things Journal) و"العقل الأمريكي" (The American Mind) ومعهد جيتستون (Gatestone Institute) وجمعية العلماء الوطنية و"أنغليكان مينستريم" (Anglican Mainsteam) و"جوويش نيوز سينديكات" (Jewish News Syndicate) و"إسرائيل هايوم" (Israel Hayom) وعلى مواقع أخرى.