على الرغم من ادعاء القيادات الإيرانية أنَّ البرنامج النووي الإيراني هو برنامج للأغراض السلمية، تكشف الأدلة المتاحة أنَّ النظام الإيراني يسعى منذ فترة طويلة للحصول على أسلحة نووية. وبرنامج الصواريخ البالستية القادرة على حمل رؤوس نووية، الذي ينفذه النظام الإيراني حاليا ويُعدُّ ركيزة أساسية في سياسته الخارجية، يرتبط ارتباطا وثيقا بالبرنامج النووي. في الصورة: صاروخ باليستي من طراز شهاب-3 معروض في أحد الميادين في إيران. (مصدر الصورة STR/AFP نقلا عن Getty Images) |
على الرغم من ادعاء القيادات الإيرانية أنَّ البرنامج النووي الإيراني هو برنامج للأغراض السلمية، تكشف الأدلة المتاحة أنَّ النظام الإيراني يسعى منذ فترة طويلة للحصول على أسلحة نووية.
ويشيرتقرير حديث أصدرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أنَّ "العينات المأخوذة من موقعين خلال عمليات التفتيش التي قامت بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة تحتوي على آثار لمواد مشعَّة".
وقد جذبت هذه المسألة اهتمام العالم للمرة الأولى في عام 2018، عندما حثَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي 'بنيامين نتنياهو' (Benjamin Netanyahu) المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية 'يوكيا أمانو' (Yukiya Amano) على تفتيش "مستودع نووي" في إيران. وأشار 'نتنياهو' في خطاب ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى أنَّ لدى الحكومة الإيرانية "مستودع نووي سري يُستخدم في تخزين كميات هائلة من المعدات والمواد الخاصة ببرنامج إيران السري للأسلحة النووية". وبالإضافة إلى ذلك، في عام 2018، أصدرت منظمتان غير حزبيتين مقرُّهما في العاصمة واشنطن - وهما معهد العلوم والأمن الدولي ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات - تقارير مفصَّلة عن المرافق النووية الإيرانية السرية غير المعلن عنها. وزعم القادة الإيرانيون أنَّ المستودع، الذي يقع في قرية تورقوز آباد في ضواحي طهران، ليس أكثر من مغسلة سجاد.
وفي بداية الأمر، لم تأخذ الوكالة الدولية للطاقة الذرية على محمل الجد هذه التقارير بشأن المستودع النووي السري الإيراني. ولا ينبغي أن يُدهشنا ذلك: فلدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية تاريخ طويل من تقديم التقارير الخاطئة بشأن مدى التزام النظام الإيراني بالاتفاق، وكذلك عدم القيام بأعمال المتابعة اللازمة لتقارير موثوقة بشأن الأنشطة النووية غير المشروعة التي تقوم بها إيران. وبوجه عام، كانت جهات فاعلة أخرى، من بينها دول وأطراف غير حكومية، هي أول من كشف الستار عن المواقع النووية السرية الإيرانية. فعلى سبيل المثال، في عام 2001، كان المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وهو من الجماعات المعارضة للنظام الإيراني، هو أول من كشف عن المواقع النووية السرية الإيرانية في نطنز وأراك.
وبعد أن مورست ضغوط كبيرة على الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي الهيئة التابعة للأمم المتحدة والمعنية بمراقبة المجال النووي، فتَّشت الوكالة الموقع الذي ذكره رئيس الوزراء الإسرائيلي في خطابه، ولكن كان ذلك في خريف عام 2020، أي بعد عامين. وحتى بعد ذلك التأخير، وعلى الرغم من أنَّ القادة الإيرانيين كان لديهم بالتأكيد ما يكفي من الوقت لتنظيف المرفق، أفاد مفتشو الوكالة بأنَّهم قد عثروا على آثار يورانيوم مشع عند فحصهم العينات المتبقية.
كما لا ينبغي أن يدهشنا أنَّ نظام الملالي الحاكم في إيران يرفض الإجابة على أسئلة الوكالة.
وتجدر الإشارة أيضا إلى أنَّ أحد أهم المتطلبات الأساسية المنصوص عليها في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وإيران دولة طرف فيها، وكذلك أحد شروط "الاتفاق النووي" المبرم مع إيران في عام 2015، أن يلتزم النظام الإيراني بالكشف عن أنشطته النووية للوكالة الدولية للطاقة الذرية - وهو شرط آخر لم يلتزمبه النظام الإيراني.
ويشير الكشف عن جسيمات مشعَّة في تورقوز آباد إلى وجود احتمال كبير بأنَّ طهران ما زالت تقوم بأعمال سرية في مجال الأسلحة النووية. كما يشير أيضا إلى أنَّ هناك احتمال كبير بأنَّ نظام الملالي الحاكم في إيران ينتهك شروط الاتفاق النووي منذ إبرامه في عام 2015.
وعلى الرغم من هذا الاكتشاف الحاسم، يبدو أنَّ إدارة الرئيس الأمريكي 'جو بايدن' (Joe Biden) لا تزال تسعى من أجل العودة إلى هذا الاتفاق النووي المبرم بين الولايات المتحدة وإيران - مع اعتراضات واضحة على ذلك من وزير الخارجية 'أنتوني بلينكن' (Antony Blinken) ومرشَّحة 'بايدن' لمنصب مدير الاستخبارات الوطنية 'أفريل هاينز' (Avril Haines).
وينطوي الاتفاق النووي المشار إليه على عدد من العيوب الجوهرية الخطيرة، منها على وجه التحديد القدرة على تخصيب اليورانيوم في المقام الأول. فكما كتب المفاوض النووي الأمريكي البارز، السفير 'جون ر. بولتون' (John R. Bolton) منذ بضعة أعوام "دونه [أي اليورانيوم المخصَّب]، لا توجد قنبلة". ولكن تجدر الإشارة هنا إلى أنَّ شرط الاتفاقية المتعلق بتاريخ رفع القيود المفروضة على الأنشطة النووية الإيرانية قد شارف على الانتهاء. وفي حقيقة الأمر، لا يمنع هذا الاتفاق إيران من الحصول على أسلحة نووية، بل يمهد الطريق أمامها لتصبح دولة نووية شرعية. وعلاوة على ذلك، يستبعد الاتفاق المواقع العسكرية الإيرانية، ومنها مثلا موقع بارشين الذي يُقال إنَّ عمليات التطوير والبحوث النووية تُجرى فيه، من نطق عمليات التفتيش التي يقوم بها مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما يخفق الاتفاق، الذي يدعمه النظام الإيراني لأسباب مفهومة، في الإشارة إلى قدرة برنامج الصواريخ البالستية الإيراني على حمل رؤوس نووية، وهو البرنامج الذي ينفذه النظام الإيراني حاليا ويُعدُّ ركيزة أساسية في سياسته الخارجية، ويرتبط ارتباطا وثيقا بالبرنامج النووي. كما يضفي الاتفاق النووي على النظام الإيراني شرعية عالمية تزيد من صعوبة إخضاع قادته للمساءلة عن أي سلوك خبيث أو أعمال عدوانية وأنشطة إرهابية.
ويسمح الاتفاق أيضا بتدفقمليارات من الدولارات إلى خزينة القادة الإيرانيين، وهو ما يتيح لهم الإيرادات اللازمة لتمويل مليشياتهم وفيالق الحرس الثوري الإسلامي التي يحتاج إليها النظام الإيراني لتصعيد مغامراته العسكرية في المنطقة. ويشمل ذلك تمويل الجماعات الإرهابية الموالية للنظام الإيراني وتسليحها ودعمها في لبنان والعراق وسوريا واليمن وقطاع غزة، وكذلك في أمريكا الجنوبية. وأخيرا، يعزز هذا الاتفاق النووي قدرة إيران على رفع مستوى تدخلها في المنطقة وتلاعبها بمقدراتها، وكذلك تمويل المليشيات النشطة فيها.
وإذا أرادت الإدارة الأمريكية العمل من أجل صالح الأمن الأمريكي والدولي، يجدر بها أن تأخذ بقدر أكبر من الجدية هذه المعلومات التي كُشف عنها مؤخرا بشأن عمل إيران السري في مجال الأسلحة النووية، وبوجه خاص، أن تمنع النظام الإيراني من الحصول على أسلحة نووية، قبل فوات الأوان.
د. مجيد رفيع زاده (Majid Rafizadeh)، خبير ومستشار في مجال تخطيط الأعمال التجارية من خريجي جامعة هارفارد، وباحث في العلوم السياسية، وعضو في مجلس إدارة صحيفة 'هارفارد إنترناشيونال ريفيو' (Harvard International Review)، وهو أيضا رئيس المجلس الأمريكي الدولي المعني بالشرق الأوسط. وقد ألَّف العديد من الكتب حول الإسلام والسياسة الخارجية الأمريكية. ويمكن التواصل معه عبر البريد الإلكتروني على العنوان: Dr.rafizadeh@post.harvard.edu