يحتلُّ النظام الإسلامي الحاكم في إيران، والذي يحتفل هذه الأيام بالذكرى الأربعين لقيام الجمهورية الإسلامية في البلاد، المرتبة الأولى عالميًّا في عدد الإعدامات مقارنة بعدد السكان. في الصورة: قوات تابعة للنظام الإسلامي في إيران تُعدم رجالًا أكراد وآخرين في عام 1979. (مصدر الصورة: 'جاهانغير رازمي' (Jahangir Razmi)/'ويكيميديا كومنز' (Wikimedia Commons)) |
في 10 شباط/فبراير 2019، احتفل النظام الإيراني رسميًّا بالذكرى الأربعين لاستيلائه على السلطة في إيران. ففي عام 1979، فاجأ الحزب الأصولي الإسلامي بقيادة 'آية الله روح الله الخميني' المجتمع الدولي والشعب الإيراني بنجاحه في اختطاف الثورة الإيرانية. وكان نجاح 'الخميني' وحزبه في السيطرة على البلاد صادمًا للساحة السياسية الدولية.
فعلى الرغم من أنَّ البعض كانوا يدركون نوايا الحزب الإسلامي منذ البداية، فإنَّ العديد من الناس استهانوا بقدراته التنظيمية وقوته على الأرض. وفي بادئ الأمر، وبهدف اكتساب ثقة الشعب الإيراني وولائه، صوَّر 'الخميني' وأتباعه أنفسهم على أنَّهم أشخاص روحانيون ليست لديهم أدنى رغبة في حكم البلاد. واعتقد كثيرون أيضًا، بما في ذلك عدَّة أحزاب سياسية إيرانية، أنَّ الملالي الحاكمين سيتخلون عن أي سلطة اكتسبوها في خلال الفترة الانتقالية التالية للإطاحة بنظام الشاه.
ومع بداية حصول الملالي على الدعم الشعبي في إيران، سعوا إلى اكتساب المزيد من الدعم من خلال التواصل مع فئات اجتماعية أخرى في البلاد. حيث طمأن أتباع 'الخميني' الأصوليون معتنقي الديانات الأخرى، مثل المسيحيين واليهود، بأنَّ سلامتهم وشواغلهم ستكون من بين الأولويات العليا للحكومة الجديدة فور توليها السلطة. وكان رد فعل تلك الفئات التي طالما تعرَّضت للتهميش على الوعود الممنوحة لهم إيجابيًّا. وعندما زار وفد من المجتمع اليهودي في إيران مؤسس الدولة الدينية في البلاد قبل اندلاع الثورة، طمأنهم 'الخميني' بشأن سلامة اليهود في إيران، وأصدر فتوى شهيرة قال فيها:
"إنَّ القرآن الكريم يذكر النبي 'موسى'، عليه وعلى آله السلام، أكثر من أي نبي آخر. والنبي 'موسى' لم يكُن إلا راعيًا للأغنام عندما وقف أمام جبروت فرعون ودمَّره. وقد كان كليم الله 'موسى' ممثِّلًا لعبيد فرعون والمضطهدين والمستضعفين في زمنه. ولا تربط النبي 'موسى' أي صلة بالصهاينة أشباه فرعون الذين يحكمون إسرائيل. وكذلك لا تربط يهودنا، أحفاد النبي 'موسى'، أي صلة بأولئك الصهاينة. ونحن ندرك أنَّ يهودنا ليسوا من أولئك الكفَّار، مصاصي الدماء الصهاينة".
وقال 'آية الله الخميني' لأقليَّات دينية أخرى في المجتمع الإيراني إنَّهم سيحصلون على الحماية:
"إنَّ الإسلام يقبل بالمسيحيين واليهود والزرادشتيين على قدم المساواة، ما لم يصبحوا طابورًا خامسًا للأجانب الذين يتدخلون في شؤون هذه البلاد. ونحن نقبل باليهود كيهود، ولكن لا نقبل بهم كمدافعين عن العدوان الصهيوني".
ولذلك السبب، شعر من وضعوا ثقتهم في 'الخميني' وحزبه الأصولي بصدمة بالغة عندما تلاشت هذه الضمانات سريعًا بعد تولي 'الخميني' وحزبه مقاليد الأمور في البلاد. وبدأ 'الخميني' في تنفيذ أجندة إسلامية وتطبيق قوانين الشريعة الإسلامية حرفيًّا. وأصبحت شعارات مثل "الموت لأمريكا" و"الموت لإسرائيل" هتافات تتردد في المكاتب الحكومية الأكثر نفوذًا كما تتردد في شوارع إيران. وفي كثير من الأحيان، لقي كلُّ من اعترض على هذه القوانين القاسية والغامضة نهاية مؤلمة: الإعدام العاجل دون فرصة للدفاع عن أنفسهم. وسرعان ما أُعدم النظام زعيم الطائفة اليهودية في البلاد 'حبيب القانيان'، وهو رجل أعمال ومن أصحاب الأعمال الخيرية. وتروي حفيدته 'شهرزاد القانيان' أنَّ جدَّها أُعدم "بعد محاكمة قصيرة لم تستغرق 20 دقيقة بتهم ملفَّقة". وأرسل إعدام 'القانيان' رسالة قوية وواضحة إلى الجميع مفادها أنَّ الديانات الأخرى ليس لها مكان في ظل حكم الشريعة الإسلامية. وأنَّه لا وجود في إيران بعد اليوم لسيادة القانون.
وسرعان ما تصاعدت حدَّة اضطهاد المسيحيين والبهائيين والمسلمين السنَّة وغيرهم من الأقليات الدينية والعِرقية في البلاد. وفي واحدة من أسوأ عمليات الإعدام الجماعي لسجناء سياسيين التي اقترفها نظام الملالي، أُعدم نحو 30,000 شخص، منهم أطفال ونساء حوامل، في غضون فترة لم تتجاوز أربعة أشهر. ووفقًا لما ورد في الإدانة التي أصدرها الكونغرس الأمريكي بشأن هذا الفعل "أُعدم السجناء في مجموعات، شُنق بعضهم في عمليات شنق جماعية، في حين أُعدم آخرون رميًّا بالرصاص، ودُفنوا في مقابر جماعية".
ورأى البعض أنَّ زعماء إيران الأصوليين سيصبحون أكثر اعتدالًا بمرور الوقت. ولكن بعد 40 عامًا من إنشاء النظام الإسلامي في البلاد، تصاعدت حدَّة العنف وأصبح النظام الإيراني أكثر عدوانية داخل البلاد وخارجها. وبسبب تمجيد النظام الإيراني للعنف وتشجيعه على نشر الكراهية وعدم التسامح، ظهرت إلى الوجود جماعات إرهابية وميلشيات مثل 'حزب الله'. وبذلت إيران الكثير من الجهد بهدف التعاون مع تنظيم 'القاعدة'، وهي حتى يومنا هذا لا تزال تقدم باستمرار التدريب والدعم للعديد من الجماعات المسلحة الأخرى. وعامًا بعد عام، تواصل إيران احتفاظها بلقب أكبر دولة داعمة للإرهاب؛ واليوم يُعدُّ النظام الإسلامي وشريعته الإسلامية بمثابة تهديد عالمي للجميع.
ولا يزال نظام 'الخميني' يحتل أيضًا المرتبة الأولى عالميًّا في عدد حالات الإعدام مقارنة بعدد السكان. ووفقًا لمنظمة العفو الدولية، تتصدَّر إيران العالم بأسره في عدد الأطفال الذين يلقون حتفهم على مشانق النظام الإسلامي. وعلى الرغم من الآمال الدولية بأنَّ العنف والكراهية في إيران سيتضاءلان مع الوقت، واصل النظام الإيراني على مدى الأربعين عامًا الماضية توسيع نطاق جهوده الرامية إلى تعزيز المشاعر المعادية للمسيحيين واليهود.
وما يثير العجب أكثر من ثقافة عدم الاكتراث لسيادة القانون المزدهرة في إيران أنَّ بعض السياسيين والحكومات في الغرب حاولوا في الماضي، ولا زالوا يحاولون، استرضاء هذا النظام الهمجي. فقد تزعَّم الرئيس الأمريكي السابق 'باراك أوباما' حملة هدفت إلى رفع أربع حزم من العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على نظام الملالي في إيران، الأمر الذي وفَّر لنظام الملالي - دون أي مقابل - ما لا يقل عن 150 مليار دولار؛ كما حذف إيران ومنظمة 'حزب الله' من قائمة التهديدات الإرهابية لمصالح الولايات المتحدة في خلال فترة إدارة 'جايمس كلابر' (James Clapper) للاستخبارات الوطنية؛ وتجاوز العقوبات المفروضة على إيران بهدف السماح لها بالوصول سرًا إلى النظام المالي الأمريكي. وليس من المستغرب أنَّ الملالي استغلوا هذه الخطوات في تشجيع الإرهاب وتمويل الحرس الثوري الإيراني والمضي قدمًا في عدوانهم.
وفي الوقت الحالي، يحاول الاتحاد الأوروبي استحداث آليات جديدة للالتفاف على العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران بهدف تيسير مواصلة التبادل التجاري مع النظام الإيراني.
وينبغي أن تكون أربعون عامًا قضاها نظام الملالي في سدة الحكم في إيران درسًا كافيًّا للمجتمع الدولي مفاده أنَّ استرضاء هذا النظام لن يقدم أي شكل من أشكال الحماية للشعب الإيراني ولا للمجتمع الدولي. إذ أنَّ نظام الملالي لا يرى في أي تنازلات يقدمها المجتمع الدولي سوى علامة على الضعف، ولن يتوانى عن استخدام أي فرصة تتاح له لزيادة قوته. إنَّ اللغة الوحيدة التي يفهمها الأصوليون هي لغة الضغط الاقتصادي والسياسي، وإذا لزم الأمر، الضغط العسكري.
وما دامت الحكومات ذات النفوذ تدلل النظام الإيراني الحالي، سوف يستمر اندلاع أحداث العنف والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية في إيران وخارجها.
فهل سيبقى المجتمع الدولي واقفًا دون حراك لمدة أربعين عامًا أخرى؟
د. مجيد رفيع زاده (Majid Rafizadeh)، خبير ومستشار في مجال تخطيط الأعمال التجارية من خريجي جامعة هارفارد، وباحث في العلوم السياسية، وعضو في مجلس إدارة صحيفة 'هارفارد إنترناشيونال ريفيو' (Harvard International Review)، وهو أيضا رئيس المجلس الأمريكي الدولي المعني بالشرق الأوسط. وقد ألَّف العديد من الكتب حول الإسلام والسياسة الخارجية الأمريكية. ويمكن التواصل معه عبر البريد الإلكتروني على العنوان: Dr.rafizadeh@post.harvard.edu