مؤخرًا، قتل 'عمر العبد' ثلاثة أفراد من أسرة يهودية: 'يوسف سالومون' (Yosef Salomon) وابنته 'شايا' (Chaya) وابنه 'إيلاد' (Elad). وقد وقعت الجريمة في مستوطنة حلميش الواقعة على أرض متنازع عليها بين الإسرائيليين والفلسطينيين منذ حرب عام 1967.
وبعد أن قرأتُ في الصحف أنَّ القاتل قد نجا من الموت ونُقل إلى المستشفى لتلقي العلاج، أردت التحدث إليه - من ناحية، لكي أخبره فحسب مقدار كم كانت جريمته غير مجدية بل وذات مردود معاكس للقصد منها. ولكن من ناحية أخرى، ظننتُ أيضًا أنَّه يجدر بي أن أحاول التحدث إليه بلغة يفهمها، وأن أشير إلى بعض الأمور التي تقررها العقيدة الإسلامية، وأن أذكِّره ببعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. ولعلَّ الخطاب الوارد أدناه يُترجم إلى العربية، وقد يقرأه غيره من الشباب. وفي هذا الخطاب، أُشير إلى عملي كمحاضر في مجال الدراسات الإسلامية، على أمل أن يُقنع ذلك 'عمر' وغيره من الشباب بأنَّ خطابي ليس نابعًا من عدائي له أو لمعتقده الديني - ذلك المعتقد الذي يلتزم 'عمر' ورفاقه باتِّباعه. وأردت أن أُثير بعض التساؤلات الأخلاقية التي يندر أن تخطر ببال الفلسطينيين المسلمين، ولا سيما في الأوقات التي تتأجج فيها مشاعرهم بسبب شائعات كاذبة بشأن المسجد الأقصى أو غيره من المواقع الأخرى المقدسة في نظرهم.
وهنا، من المهم التشديد على أنَّ اليهود وحدهم دون غيرهم يشتركون مع المسلمين في الإيمان بوحدانية الله المطلقة. فقد كان اليهود هم المصدر الذي تعلَّم منه النبي 'محمد' كيف ينشر رسالة أنَّ لا إله إلا الله. إنَّني أكتب إلى 'عمر العبد' لأقول له إنَّه ليس من حقه أن يرفع راية الجهاد، إذ لا يحق لأي فرد أن يفعل ذلك، على الرغم من أنَّ هناك أحكامًا في الشريعة الإسلامية تسمح للفرد باللجوء إلى العنف إذا ظنَّ أن الإسلام يتعرض للاعتداء. وأردتُ أن يعرف 'عمر' أنَّ من قتلهم لم يعتدوا عليه، وأنَّ الإسرائيليين في واقع الأمر يحمون المسجد الأقصى، وهو ليس معرضًا لأي خطر، قليل أو كثير. وأُشيرُ في خطابي إلى الآيات القرآنية التي تحضُّ المؤمن على أن يحب أعداءه، وإن كانت هناك العديد من الآيات اللاحقة التي تدعو إلى نقيض ذلك. ولكن إذا كان 'عمر' يؤمن حقًا بأنَّ القرآن كلام الله، فمن المؤكد أنَّه لن يمكنه أن يكتفي بتجاهل تلك الآيات.
إنَّ هذا الخطاب ليس إلا محاولة لتفتيح بعض الأعين عن طريق التحدُّث بعبارات يفهمها من يعتبرك عدوه، ولا سيما إن لم تكن كذلك، لعلَّ ذلك يكون بمثابة محاولة لمد أيدينا بالسلام. فلن تتغير أفكار 'عمر العبد' في الأعوام الطويلة التي سيقضيها في السجن إلا إذا أخذ قدرًا من الوقت لتدبُّر الآيات والأحكام التي تدعو إلى السلام واعتناقها بصدق. فمن يعرف ماذا يمكن أن يحدث على مر حياة بأكملها؟
مشاركة نشرها القاتل 'عمر العبد' على فيسبوك قبل ساعات قليلة من قتله ثلاثة أفراد من أسرة 'سالومون' في حلميش. |
وقد تذهب هذه المحاولة بلا طائل. فأنا لست مسلمًا، ولا شك في أنَّ ذلك أمر هام. كما أنَّني لست يهوديًا، ولكنني حاولت أن أقول إنَّ تجربتي الطويلة في الحياة علَّمتني أنَّ اليهود أناس أخيار، وأنَّ أولئك الذين قُتلوا بهذه الوحشية كانوا من الأخيار أيضًا، وأنَّهم كانوا يؤمنون بالله الواحد كما يؤمن به 'عمر'.
وفيما يلي نص الخطاب:
يا 'عمر'، يا 'أبا زيد'،
لقد انتهيت لتوي من قراءة وصيتك الأخيرة. وبعد البسملة والصلاة والسلام على النبي محمد، الذي أشرت إليه على أنَّه أشرف الخلق والمرسلين، بدأتُ في قراءة كلماتك:
"فلتقرؤوا وصيتي بل آخر كلام لي لكم، أنا شاب لم يتجاوز عمري العشرين لي أحلاما وطموحات كثيرة، كنت أعلم أنه بعون الله ستتحقق أحلامي. كنت أعشق الحياة لرسم البسمة على وجه الناس. لكن أي حياة هذه التي يقتل فيها نساءنا وشبابنا ظلمًا ويدنَّس أقصانا ومسرى حبيبنا ونحن نائمون أليس من العار علينا الجلوس؟
أنتم يامن سلاحكم صدى، أنتم يا من تخرجون سلاحكم في المناسبات، ألا تخجلون من أنفسكم؟ أعلنوا حربًا، أليس لله حق عليكم؟ ها هم أغلقوا أقصانا ولم يلبي سلاحكم. أنا كل ما أملك سكين مسنون ها هو يلبي نداء أقصانا. عار عليكم، عار يا من تشعلون الفتن بيننا. سينتقم الله منكم وستحاسبون أمام الله وستسألون، فيكفي كلنا أبناء فلسطين وأبناء الأقصى. يا أبناء القردة والخنازير أن لم تفتحوا أبواب الأقصى أنا واثق أنه سيخرج بعدي رجال يضربون بيد من حديد، أحذركم".
يا 'عمر'، لا يمكنني أن آتي لزيارتك وأنت ترقد في سريرك في المستشفى، حيث يداوي جروحك أبناء ذلك الشعب الذي ترعرعت على كراهيته. وإذا كان في يدك سكين، ربما كنت ستقتل أولئك الأطباء والممرضات الذين ينقذون حياتك الآن.
لقد عملت في تدريس اللغة العربية والدراسات الإسلامية في إحدى الجامعات البريطانية؛ ولدي العديد من الأصدقاء المسلمين، وكتبت كثيرًا عن الإسلام، ذلك الدين الذي أعرفه جيدًا. فهو الدين الذي أفنيت معظم عمري في دراسته. لقد قرأت القرآن والحديث النبوي باللغة العربية، وأعشق الفن الإسلامي والخط العربي والشعر العربي، وبوسعي أن أفهم جيدًا السبب وراء محبتك للمسجد الأقصى وقبة الصخرة وكل أرجاء الحرم الشريف. وهناك العديد من المساجد بين أجمل التحف المعمارية التي شُيِّدت على مرِّ التاريخ. إنَّني لا أحمل أي قدر من المرارة في قلبي.
غير أنَّني أكتب إليك بمزيج من الحزن والغضب مما فعلت. إنَّني أعرف عددًا كبيرا من اليهود؛ وهم حقًا من خيار الناس الذين عانوا كثيرًا عبر التاريخ، وذُبح الملايين منهم شأنهم شأن المسلمين.
ويردِّد اليهود، تمامًا كجميع المسلمين، ما يعادل قولك "لا إله إلا الله، كما جاء في كتابهم المقدس. وقد ذكر الله التوراة ست عشرة مرة في القرآن الكريم.
وإذا قرأت التوراة، ستجد هذه الكلمات: "اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ". هل تختلف هذه الكلمات عن صيحة 'بلال ابن رباح'، أول مؤذن في الإسلام، عندما كان مولاه يعذبه كي يترك الإسلام ويعود إلى عبادة الأصنام، فأخذ يردِّد: "أحدٌ أحد"؟ إنَّ اليهود والمسلمين أصحاب أعظم ديانتين يُعبد فيهما إله واحد.
هل خطر ببالك قط أنَّ ما اقترفته يداك إثم عظيم؟ لقد سفكت أرواح أسرة تؤمن بالإله الواحد.
لقد أنهيت حياتهم: حياة أب وابنه وابنته. وتسبَّبت في إصابة الأم بجراح خطيرة، وهي تقاتل الآن في المستشفى كي تبقى على قيد الحياة، مثلك تمامًا. وعندما تسترد وعيها، سيخبرونها أنَّك قتلت زوجها وابنها وابنتها. ويعيش جميع أفراد الأسرة اليوم حالة من الحزن لن يخرجوا منها أبدًا.
كما أنَّك دمَّرت حياة أسرتك أنت أيضًا. ألم تقرأ في القرآن في سورة الإسراء الأمر الإلهي: "وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ"؟ وبعدها: "وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا. إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا". والآن، فقد أيوك وأمك ابنًا كانا سيستندان إليه عند بلوغهما الكبر. واعتُقل ابن آخر... أخوك. واليوم أو غدًا، سيهدم الجنود المنزل الذي كانت تعيش فيه أسرتك. هل هذا ما يريده الله منك؟
لقد كتبت في وصيتك إلى إخوتك من المسلمين "أعلنوا حرباً، أليس لله حق عليكم؟" أيُّ حرب تريد إن لم تكن جهادًا؟ ولكن، هل لك الحق في إعلان الجهاد؟ ألست على علم بأحكام الشريعة الإسلامية، وما تنص عليه بشأن الدعوة إلى الجهاد؟ ألم يذكر العلماء والفقهاء أنَّه "لا يجوز إعلان القتال إلا في وجود دولة إسلامية، ولا يحق لأحد سوى أمير تلك الدولة أن يعلن الجهاد".
"وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك". - المغني (10/368).
"ولا يجوز غزو الجيش إلا بإذن الإمام مهما كان الأمر؛ لأنَّ المخاطب بالغزو والجهاد هم ولاة الأمور وليس أفراد الناس. فتجب على الرعية طاعة ولي الأمر. ومن ثمَّ، لا يجوز الغزو إلا بإذن الإمام" -- شيخ الإسلام ابن تيمية.
وربما كنت تعتقد يا 'عمر' أنَّ رئيس السلطة الفلسطينية 'محمود عباس' قد أعطى الإذن بقتل اليهود. إلا أنَّ السلطة الفلسطينية ليست دولة إسلامية، ومنظمة التحرير الفلسطينية التي يرأسها 'محمود عباس' هيئة علمانية الطابع ولن تكون أبدًا الأساس الذي تقوم عليه دولة إسلامية ولو في المستقبل.
واليوم، لا توجد دولة إسلامية في فلسطين، ولا يشغل أحد منصب أمير المؤمنين الذي تنحصر في يده سلطة الدعوة إلى الجهاد. لقد كنت ضحية لقدر كبير من التضليل في هذا الصدد. فقبل كل شيء، لا يحق لأحد حمل السلاح، ولو كان ذلك السلاح سكينًا صغيرًا، والخروج مجاهدًا من تلقاء نفسه. وإذا خرج رجل طالبًا الجهاد على هذا النحو، لا يُعدُّ شهيدًا إن قُتل، لأنَّه يكون قد خرج وفقًا لهواه. وممَّا لا شك فيه أنَّ من المسموح للفرد أن يقاتل إذا تعرَّض المسلمون للاعتداء. بيد أنَّ من قتلتهم لم يعتدوا عليك. بل كنت أنت من اعتدى عليهم. وكانوا عزلًا لا يحملون سلاحًا. ولم تحاول أن تدعوهم إلى اعتناق الإسلام، تلك الدعوة التي تنص أحكام الشريعة الإسلامية على أنَّها أول خطوة يجب القيام بها قبل أي هجوم.
فأنت تقول "ها هم أغلقوا أقصانا"، وتزعم أنَّ ما اقترفته يداك كان بهدف فتحه مرة أخرى. ولكنَّ أحدًا لم يغلق المسجد. فهو مفتوح للصلاة أمام جميع المسلمين، دون أي تغيير في ذلك الوضع منذ سلَّمت إسرائيل السلطة على الحرم لوزارة الأوقاف الأردنية. ألم تكن تعلم ذلك؟ لقد بُني المسجد الأقصى في مكان مرتفع يعتبره اليهود أقدس بقعة على الأرض بأسرها قبل وقت طويل من نزول الوحي على النبي محمد. ولن يرغب اليهود أبدًا في ارتكاب أي أعمال عنف في بقعة من الأرض يقدسونها إلى تلك الدرجة، ولا يريدون تدمير المسجد لأنَّ قوانينهم نفسها تمنع ذلك، وهي قوانين سُنَّت من أجل حماية جميع الأماكن المقدسة، وهو ما جرى وما زال يجري إلى يومنا هذا.
وإذا كان غرضك من ذلك الهجوم "فتح المسجد"، هل لك أن تخبرني كيف أسهم ذبح أسرة تؤمن بالله في ذلك؟ فقد قتل مسلمون يهودًا مرات عديدة فيما مضى، ولكن ذلك القتل لم يسهم في نُصرة القضية الإسلامية أو الدين الإسلامي بأي حال من الأحوال. لقد عانى اليهود كثيرًا، ومع ذلك، لم يسهم مقتل أي يهودي في تحقيق الرخاء أو السلام للمسلمين. ولعلك تعرف أنَّ اليهود لن يخرجوا من الأرض التي منحهم الله إياها، كما وعد النبي 'موسى' في الآية 21 من سورة المائدة: "يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ".
وحين تقتل من يؤمنون بالله الواحد، فإنَّك تغلِّظ قلوبهم تجاهك. لقد مدَّ الشعب الإسرائيلي يده إلى مسلمي فلسطين بالسلام والرخاء مرارًا وتكرارًا، وفي كل مرة، كنتم أنتم من يرفض تلك اليد الممدودة، وأنزلتم البلاء بأنفسكم. وليس هذا من الحكمة في شيء. فذلك الرفض لن يكفل حياة كريمة لك أو لأسرتك أو لقريتك أو لغيرك من الشباب الذي ترعرع على الكراهية والعضب. إنَّ اليهود لا يكرهونكم، بل يكرهون المذابح التي اقترفتموها ضدهم طيلة ما يقرب من مائة عام. واليهود موضع ثناء في القرآن وفي كتب الشريعة الإسلامية، ويُطلق عليهم "أهل الكتاب". وسبب ذلك أنَّ الله أنزل عليهم وحيًا من السماء. ومع ذلك، فقد قمت بذبحهم كما لو كانوا من عبدة الأوثان.
وفي سوريا، تدور رحا حرب ضروس، قُتل فيها آلاف من المسلمين بأيدي غيرهم من المسلمين، وخسر ملايين آخرون كل ما يملكون، واضطُروا إلى مغادرة بلادهم إلى المنفى. ولكن حتى في وقتنا هذا، هناك يهود إسرائيليون يعملون في مستشفيات خاصة في سوريا، عيادات أنشؤوها كي يقدم الأطباء والممرضات المهرة العلاج للمصابين من الرجال والنساء والأطفال. هل كانوا ليفعلوا ذلك لو كانوا حقًا يكرهون المسلمين؟ ويتلقى الآلاف من سكان قطاع غزة والضفة الغربية العلاج في المستشفيات الإسرائيلية، تمامًا كما تتلقاه أنت الآن. هل من الطبيعي أن يقدِّم أولئك اليهود المساعدة إذا كانت قلوبهم مفعمة بالكراهية تجاه المسلمين؟ ورغم كل ذلك، لا تشعر أنت ومن مثلك تجاههم سوى بالكراهية.
ألم تقرأ الحديث الصحيح:
"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". (المصدر: صحيح البخاري، الحديث 13، متفق عليه).
ألا تذكر كلمات النبي محمد في خطبة الوداع: "أيها الناس إنَّ دماءكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا؟" وحتى إذا كنت ترى أنَّ اليهود قد أساؤوا إليك، ألم تقرأ في سورة فصلت، الآية 34، قول الله:
"وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ".
لقد سمعت بعض المسلمين يقولون أنَّكم ستنتصرون على اليهود لأنَّهم يحبون الحياة، وأنتم تحبون الموت. لقد خرجت بسكينك لتقتل أولئك اليهود في أقدس أيام الأسبوع عندهم، متباهيًا بأنَّك في طريقك إلى الموت. ولكن حب اليهود للحياة دفعهم إلى تحقيق إنجازات عظيمة، واكتشاف أساليب علاجية جديدة، وقدَّم إلى العالم مزيدًا من المعارف والرخاء. أما حبكم للموت، فلم يجلب عليكم سوى المزيد من الكراهية واليأس والشقاء في الحياة.
سيُحكم عليك بالسجن عقابًا على جريمتك، وسوف تبقى فيه إلى نهاية عمرك. ولن تحقق أيًا من طموحاتك وآمالك وتطلعاتك إلى حياة تحقق الفخر والكرامة لعائلتك ولسائر المسلمين. ولن تكون طبيبًا يعالج المرضى، فقد حرمت نفسك من أن تكون من ممارسي هذه المهنة النبيلة. ولن تصبح أبدًا محاميًا أو قاضيًا يقيم العدل، وتلك مهنة نبيلة أخرى. كما حرمت نفسك من تكون عالمًا من علماء المسلمين، أو واعظًا أو إمامًا، وجميعها أيضًا وظائف نبيلة. ولن تتزوج أبدًا، أو يكون لك أطفال، أو تصبح رجلًا ذا شأن يؤثر في العالم وفي حياة شعبه. وهناك في هذا العالم رجال ونساء كان بإمكانك أن تدعوهم إلى الإسلام، ولكن للأسف، سينفرون منه الآن طيلة حياتهم بعد معرفتهم بجريمتك النكراء. وسيسجل التاريخ اسمك إلى جانب أناس اضطهدوا اليهود واستعبدوهم، مثل 'أدولف هتلر' وفرعون، مخالفين بذلك إرادة الله. وأخشى أنَّك في الحياة الآخرة، إن كانت هناك حياة بعد الموت، ستقضي أيامك بصحبة القتلة والطغاة.
فقد تظن أنَّ قتل اليهود عمل نبيل، وأنَّ الآخرين سيمدحونك ويعتبرونك بطلًا ورجلًا شجاعًا ومؤمنًا بحق. إلا أنَّ ما فعلت لم يكن عملًا نبيلًا، بل عملًا جبانًا. وسيخبرك الناس أنَّ تلك المذبحة التي نفذتها كانت بطولية، وأنَّك حملت السلاح دفاعًا عن إخوتك المسلمين. ولكن اليوم، يحتقر الملايين في مختلف أنحاء العالم ما فعلته، ويسمونه باسمه الحقيقي: عمل شيطاني. ولو كنت دخلت ذلك المنزل بيد مفتوحة ووجه باسم، لكانت العائلة رحبت بك، وأخذت يدك الممدودة ودعتك إلى مشاركتها طعامها. ولكنَّك لم تختر فعل ذلك. بل سفكت أرواح جدود وآباء ودمَّرت مستقبل أطفال صغار. كيف لأحد أن يفخر بمثل ذلك الفعل؟
إنَّني على أمل أن يضيئ خطابي هذا بصيرتك في يوم ما، غدًا أو بعد غد، أو بعد أعوام طوال، وترى حقيقة ما فعلته، وتشعر بالخزي إزاءه. لقد جلبت العار على شعبك. وربما إذا حدث ذلك، ستجد نفسك راغبًا وقادرًا على أن تحذر غيرك من الشباب الفلسطيني من الوقوع في ذلك الفخ وتدمير حياتهم كما فعلت. لقد دخل العرب في ست حروب ضد إسرائيل وخسروها جميعًا. واشتعلت الانتفاضات بهدف طرد اليهود من الأرض التي أعطاهم الله إياها، ومع ذلك، نجح اليهود وازدهروا. لقد عرض عليكم اليهود كل ما تحتاجون إليه كي تنعموا بالازدهار والرخاء. ووفروا لكم الحماية كي تتمكنوا من ممارسة عباداتكم بحرية، وأن تدخلوا مساجدكم وتلقوا خطبكم، حتى عندما كانت تلك الخطب تحرض على كراهية اليهود. أليست هذه علامات على أنَّ الله يحميهم ويمنحهم القوة اللازمة للبقاء، ويباركهم؟
لقد حان الوقت للبحث عن طريق آخر، عليكم أن تحوِّلوا سكاكينكم إلى محاريث، وأن تسعوا إلى تحقيق السلام بدلًا من إشعال نيران الحرب. وحان الوقت أيضًا لوضع نهاية لتضحيات الشباب والشيوخ الفلسطينيين التي لم تجلب على المسلمين الفلسطينيين سوى البؤس. فلعلَّك تفهم، وأنت لست إلا رجلاً واحداً، أنَّ تحقيق السلام يقترب أكثر كلَّما عملنا من أجله. وهذا قول الله في وصف أهل الجنة في الآيتين 25 و26 من سورة الواقعة: "لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26)".
والسلام عليكَ.
'دنيس ماكيوين'
يحمل 'دنيس ماكيوين' درجة الدكتوراة في الدراسات الإسلامية، وهو زميل أقدم بارز في معهد جيتستون.