تسبَّبت الهجمات الإرهابية وغيرها من أشكال التطرف الإسلامي في إيجاد مناخ من عدم الثقة بين المواطنين الأوروبيين والآلاف ممن جاؤوا إلى البلدان الأوروبية بحثًا عن ملجأ.
وأدى هذا المناخ إلى تحول الأوروبيين لمعارضة حكوماتهم، ومعاداة من ينادون بوجوب مساعدة المهاجرين القادمين إلى البلاد من أوطان مزقتها الحروب.
وبدأ الأوروبيون يتخذون موقفًا عدائيًّا تجاه فكرة الحرية والتعايش السلمي؛ فهم يرون أولئك الوافدين الجدد يطالبون باستثناءات من القواعد والثقافة الغربية.
وفي تحول غير مسبوق في السياسات نتيجة الغضب العام بشأن الأوضاع الأمنية، قرَّرت الحكومة الألمانية إغلاق المسجد الذي شهد سقوط الإرهابي 'أنيس العامري' في مستنقع التطرف قبل ارتكابه جريمة دهس المارة بشاحنة في أحد الأسواق في برلين.
ويبدو أنَّ مسجد ومركز 'فصلت 33' الإسلامي في برلين كان يعمل على تجنيد عدد من الشبان الآخرين وإقناعهم بارتكاب هجمات إرهابية في أوروبا والانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).
وكانت السلطات تراقب المسجد لفترة من الزمن، غير أنَّها لم تحرك ساكنًا قبل أن يذبح 'العامري' 12 مدنيًا بريئًا في 19 كانون الأول/ديسمبر 2016 ويتسبب في إصابة نحو 50 آخرين بجراح.
كما شنَّت الشرطة وسلطات مكافحة الإرهاب غارات في 60 مدينة ألمانية مختلفة، وفتَّشت قرابة 190 مسجدًا بهدف القضاء على مجموعة أخرى أطلقت على نفسها اسم 'دين الحق' ( Die wahre Religion).
ويبدو أنَّ الأوروبيين يسعون إلى إيجاد طرق بديلة للسيطرة على هذا الاضطراب الاجتماعي.
ويريد الكثير من المسلمين أن يعيشوا في مناطق معزولة يسعون فيها جاهدين إلى بناء ثقافة مشابهة لتلك التي تركوها عندما شدوا الرحال إلى الغرب. غير أنَّه يبدو أنَّ تفضيلهم للانعزال على هذا النحو يؤدي إلى زيادة في التطرف، ويثبت يومًا بعد آخر أنَّه يؤدي إلى نتائج سلبية على المجتمع ككل.
فسرعان ما يبدأ الوافدون الجدد في المطالبة باستثناءات من القواعد المعمول بها. فيطلبون الفصل بين الجنسين في العمل وفي المؤسسات التعليمية؛ وينادون بإنشاء المدارس الدينية، ويطالبون بوضع حد لأي انتقادات موجَّهة ضد ممارساتهم المتطرفة مثل ختان الإناث والزواج القسري وزواج الأطفال والتحريض على كراهية الأديان الأخرى. ويتهمون منتقديهم بـ "معاداة الإسلام". وبالإضافة إلى ذلك، يسعون إلى إنشاء نظام عدالة مواز، مثل محاكم الشريعة.
ويتنقل الخطباء المسلمون المتشددون بين أنحاء أوروبا، يلقون خطبًا تحرض على الكراهية والتعصب ضد أتباع الديانات الأخرى.
ويبدو أنَّ معظم الوافدين الجدد يترددون في إدانة الهجمات الإرهابية التي يرتكبها الجهاديون، أو الممارسات غير الإنسانية التي تتورط فيها الأنظمة الشمولية في بلدان مثل السعودية أو إيران. ومن غير المرجح أيضًا أن يدعم معظم الوافدين الجدد أي برنامج لمكافحة الإرهاب أو التطرف، بذرائع مختلفة.
ويبدو أنَّ هذه المجموعات تقصر تركيزها على انتقاد سياسات الغرب تجاه الشرق الأوسط والبلدان الإسلامية، وتلومه على كل ما هو سيء في العالم الإسلامي.
وقد دشَّن المجلس الإسلامي البريطاني - وهو منظمة غير حكومية تزعم أنَّها تمثل المسلمين البريطانيين، ويتبعها نحو 500 مسجد وجمعية خيرية ومدرسة - ما أسماه حملة مكافحة الإرهاب الخاصة به، بدلًا من دعم الحملة التي أطلقتها الحكومة.
وفي الولايات المتحدة، فاجأ مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (CAIR) العديد من المتابعين عندما طالب قادته النائب العام بولاية لويزيانا بإلغاء برنامج تدريب قائم لمكافحة الإرهاب، واتَّهم القائمين عليه بأنَّهم من "أشد المعادين للإسلام".
وقالت 'ليندا صرصور' (Linda Sarsour)، وهي إحدى المناديات بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في الغرب، أثناء إلقاء كلمة في مناسبة نسوية في العاصمة واشنطن "نحن لسنا في مسيرة لتأييد الإجهاض، بل من أجل تأييد حقوق المرأة".
وكانت المناسبة قد نُظمت في أعقاب تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد 'دونالد ترامب'، وكان من المفترض أن توجه انتقادات لمواقفه المناهضة للإجهاض وتحثه على ضمان المساواة في الحقوق للمرأة.
غير أنَّ 'صرصور' لم تكترث كثيرًا لقضية هؤلاء النساء، وكان من الواضح أنَّها تقتنص الفرصة لجذب الاهتمام وتسويق فكرة تطبيق الشريعة.
وبدا أنَّ 'صرصور'، التي يبدو أنَّها تسعى بوضوح إلى فرض أحكام الشريعة الإسلامية في الغرب، وهي خطة تنطوي على انتزاع معظم الحقوق من النساء، تقف بجانب النساء المشاركات، كما لو كانت تدافع عن حقوقهن.
ومن المعروف أنَّ 'صرصور'، التي تدعم ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية المعروفة بختان الإناث، لا تفعل شيئًا إلا التغريد لعموم المسلمين في جميع أنحاء العالم.
'ليندا صرصور' أثناء إلقاء كلمة على المنصة خلال المسيرة النسائية في واشنطن في 21 كانون الثاني/يناير 2017 في العاصمة واشنطن. (مصدر الصورة: Theo Wargo/Getty Images) |
ومن المؤسف أنَّ لدينا الآن في الغرب متطرفين يسعون دون ملل أو كلل إلى سحب الحضارة الإنسانية إلى بوتقة من القمع والعنف باسم الشريعة.
ويعتنق هؤلاء المتشددون عقيدة تدعو إلى قتل واضطهاد المرتدين والأقليات غير المسلمة والمثليين؛ وإلحاق الأذى بالنساء والأطفال، كما نرى في العديد من البلدان ذات الأغلبية الإسلامية في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا- وأيضًا على نحو غير رسمي ولكن متزايد في أوروبا والغرب.
وأعلنت الحكومة البريطانية مؤخرًا عن عفو بعد الوفاة عن الآلاف من الأشخاص الذين عاقبتهم الدولة على أنشطة مثلية جنسيًّا قبل عقود مضت.
غير أنَّ أكثر من نصف السكان المسلمين في بريطانيا نفسها أيضًا يعتقدون أنَّ المملكة المتحدة يجب أن تجرِّم المثلية الجنسية بالكامل.
ويبدو أنَّ الفجوة بين الثقافتين الإسلامية والأوروبية آخذة في الاتساع، حتى في أكثر الأماكن تناغمًا.
ففي كندا، أدى مشروع قرار تقدم به عضو برلمان مسلم يقضي بسن قوانين خاصة لإدانة حرية التعبير بشأن الإسلام إلى خروج عشرات الكنديين إلى الشوارع لمطالبة الحكومة الكندية بعدم تطويع القواعد لصالح أي مجموعة دينية بعينها في البلاد.
ويطالب العديد من الوافدين الجدد إلى كندا وأوروبا بسن قوانين مماثلة لتلك التي يزعمون أنهم لاذوا بالفرار منها.
' خديجة خان'(Khadija Khan) صحفية وكاتبة رأي تكتب من فرانكفورت، ألمانيا.