لا ترى الجماعات الإسلامية المتطرفة في الإسلام دينًا يتمتع الجميع بالحرية في اعتناقه؛ بل تراه سلاحًا. فالإسلام هو أقوى أداة يمكن استخدامها في السيطرة على شعوب بأكملها. وفي ظل حكمهم المتزمت، يُملون على الشعوب كيف تعيش كل جانب من جوانب حياتها اليومية. فهم يحددون ما يُلبس وما يُؤكل، ويراقبون كل ما يُقال أو يُكتب؛ ويقابلون أي مخالفة لتلك القوانين الصارمة بعقوبات قاسية. هل بإمكانكم أن تتخيلوا أنَّ المزاح يمكن أن تكون نتيجته الموت؟ هل بإمكانكم أن تتخيلوا الحياة في ظل خوف مستمر من ارتكاب فعل خاطئ أو قول شيء خاطئ، في الوقت الذي ترون فيه الناس يعاقبون بالضرب أو الرجم أو القتل في الشوارع لا لشيء سوى مخالفات طفيفة؟
ويعتبر الإسلاميون أنَّ حرية التعبير والصحافة أهم أعدائهم. ويستهدف الإسلاميون تلك الحريات على نحو منتظم، الأمر الذي يجعل من الصعب، بل من المستحيل، كشف حقيقة ما يحدث للعالم. وفي حين يعتبر البعض أنَّ حقهم في الخصوصية أمر مفروغ منه، إلا أنَّ من يعيشون في ظل هذا النوع من الطغيان لا بد أن يفكروا في كل ما يقولون أو يفعلون. وحتى أشجع النفوس تجزع أحيانًا في مواجهة ذلك الترهيب. فهل يمكن حقًا أن تكون تلك الأنظمة قمعية إلى هذه الدرجة؟ نعم، بل إنَّ الأمر أسوأ بكثير ممَّا يمكن تخيله.
فعلى سبيل المثال، اعتقلت قوات الحرس الثوري الإيرانية 'سينا دهقان' (Sina Dehghan)، الذي يبلغ من العمر الآن 21 عامًا، بتهمة "إهانة الإسلام" حين كان عمره 19 عامًا. ووُجَّهت له تهمة إهانة النبي محمد في رسالة على تطبيق الرسائل 'لاين' (LINE).
وذكر مركز حقوق الإنسان في إيران أنَّه:
"أثناء استجوابه، أخبروه أنَّه إذا وقَّع على اعتراف وأعلن توبته، سيحصل على العفو ويُطلق سراحه"، كما ذكر أحد المصادر في مقابلة مع المركز في 21 آذار/مارس 2017. "ولسوء الحظ، اتَّخذ 'دهقان' قرارًا طفوليًّا واعترف بالتُهم الموجَّهة إليه. وحُكم على 'دهقان' بالإعدام". وذكر المصدر أنَّ 'دهقان' "اعترف لاحقًا بأنَّه وقَّع الاعتراف أملًا في إطلاق سراحه". "ويبدو أنَّ السلطات جعلته يعترف أمام الكاميرات أيضًا".
وقد يبدو أنَّ هذا الحكم ليس إلا ضربًا من الجنون، ولكن في الواقع، يكمن وراء هذه الأعمال منطق محسوب بحرص وبدم بارد. فعندما ينجح المتطرفون الإسلاميون في اعتلاء سدة الحكم، يسارعون بإنشاء نظامهم القضائي الخاص، بهدف إضفاء الشرعية على تطبيقهم لأحكام الشريعة الإسلامية. وفي الواقع، يتراجع استخدام السلطة القضائية كأداة لإقامة العدل بين الناس، ويُستخدم بصورة أكبر كأداة لقمع حرية التعبير والصحافة. وفور أن ينجح الإسلاميون في إخراس الأصوات المعارضة، يصير بإمكانهم قهر المجتمع المجتمع بأسره، ووأد أي معارضة لحكمهم في مهدها، وسجن الأبرياء وتعذيبهم، وإصدار أحكام الإعدام على الآلاف من الناس.
وعن طريق سجن الشباب المثالي المتمرد وتعذيبهم وشنقهم، يرسل حكام إيران ونظامها القضائي الإسلامي رسالة واضحة إلى إلى الملايين من الناس: لا تسامح مع أي شخص يعارض وجهة نظرهم الدينية أو السياسية.
وتستخدم الجماعات الإسلامية المتطرفة نفس الأساليب لنشر الخوف والهلع بين الشعوب في بلدان أخرى. ويهدفون من خلال ذلك إلى إسكات الناس وإذلالهم. وفور أن يتولوا مقاليد الأمور، لا يتورعون عن ارتكاب أي جرم من أجل الحفاظ على السلطة.
وفي وجهة نظر الإسلاميين، ما إن يدخل أحد في دينهم، فقد وضع حريته في التعبير وحرية الصحافة بين يدي الله. وتصبح مهمته الوحيدة التزام الصمت وتقديم فروض الطاعة، واتَّباع ما يقرره الزعيم الديني أو الإمام أو الشيخ، أو ما تقرره ولاية الفقيه.
وكما يشير مركز حقوق الإنسان في إيران، فإنَّ:
"السلطات الأمنية والقضائية الإيرانية وعدت عائلة 'دهقان' بأنَّ فرص ابنهم في الحرية ستكون أفضل إذا لم يثيروا ضجة بشأن قضيته، وأنَّ حديثهم بشأن هذا الأمر إلى وسائل الإعلام ليس في مصلحته. ولسوء الحظ، صدَّقتهم الأسرة وتوقفت عن مشاركة المعلومات بشأن قضيته، وعملت أيضا على تثبيط الآخرين عن المشاركة فيها". كما ذكر المصدر أنَّ 'دهقان' "في حالة سيئة. فهو مكتئب ويبكي باستمرار. وهو مُحتجز في عنبر مع تجار مخدرات وقتلة كسروا فكَّه منذ فترة".
ولا يهتم الحكام الإسلاميون إذا كان الشخص قضى عمره كله مواليًا لهم. فإذ أخطأت وتكلَّمت أو اعترضت، ولو مرة واحدة، سيقضون عليك. ونقل المركز عن أحد المصادر قوله: "لقد كان 'دهقان' صبيا لا يتجاوز عمره 19 عامًا في ذلك الوقت [عند اعتقاله]، صبي لم يسبق له ارتكاب أي خطأ في حياته".
كما حُكم على 'محمد نوري'، وهو أحد المتهمين الآخرين في نفس القضية التي اتُّهم فيها 'دهقان'، بالإعدام بتهمة نشر التعليقات المعادية للإسلام في وسائل الإعلام الاجتماعية. بينما حُكم على متهمة أخرى تُدعى 'سحر إلياسي' بالسجن سبع سنوات، وفي وقت لاحق، خُفضت العقوبة إلى ثلاث سنوات.
فماذا يعني مُصطلح "العداء للإسلام" بالضبط في النظام القضائي الإسلامي؟ بالنظر إلى أنَّ الإدانة بتلك التهمة تؤدي إلى عقوبة الإعدام، لعل المرء يفترض أنَّ القانون يحدد معالم هذه الجريمة بدقة. غير أنَّ الأمر ليس كذلك. فمن وجهة نظر السلطات الإسلامية الحاكمة، فإنَّ مصطلح "العداء للإسلام" غامض وغير موضوعي، ويمكن أن يعني أي شيء يعارض وجهة نظرهم أو يتحدى سلطتهم. فقد تبدو ملاحظة يبديها أحد الأشخاص بريئة، ولكنَّها يمكن أن تغير حياة هذا الشخص إلى الأبد.
وقد يتعجب البعض من قدرة الإسلاميين المتطرفين على الوصول إلى الحكم إذا كانوا يتَّسمون بهذه الدرجة من العنف والقمع. ولكم من الواضح أنَّهم ينجحون في ذلك من خلال التلاعب وطلاوة الكلام والوعود الكاذبة.
فقبل اعتلائهم السلطة، يعد بعض الإسلاميين المتطرفين ناخبيهم بالمساواة والعدل والسلام، وبحياة أفضل كثيرًا. ويستميلون إلى جانبهم الشباب والراغبين في المحافظة على التقاليد والطامحين في التغيير. ولكن فور وصولهم إلى السلطة، يقمعون جميع الحريات المتاحة أمام شعوبهم بقبضة من حديد، ولا سيما حرية التعبير.
وبعد أن تستتب الأمور للإسلاميين المتطرفين، وينشئون نظامهم القضائي، أو ينجحون في إدخال ما يعتبرونه أحكام الشريعة ضمن القانون القائم، لا يصير بإمكان أي شخص انتقاد الحكومة أو المؤسسة السياسية. ففي النظام الاجتماعي الذي يرسيه الإسلام المتطرف، تصبح الحكومة هي الإسلام؛ بل هي ممثل الله والنبي محمد على الأرض. ويعتلي السياسيون الإسلاميون الذين يصوغون القوانين مرتبة "إلهية"، كمسؤولين اصطفاهم الله بهذه المسؤولية. فلا تجوز مساءلتهم.
ويقبع كثيرون مثل 'سينا دهقان' في سجون إيران، ويتعرضون للتعذيب يوميًا، أو ينتظرون إعدامهم بتهم مثل "إهانة الإسلام" أو "إهانة النبي" أو "إهانة المرشد الأعلى" -- والأمثلة في هذا السياق لا تُعدُّ ولا تُحصى. ولكنَّنا لا نسمع عن هذه الحالات. إذ ترفض بعض وسائل الإعلام بث التقارير عن تلك الحالات، استرضاء لجمهورية إيران الإسلامية - وفي ذلك دليل آخر على مستوى القمع الذي يمكن أن تصل إليه سلطة الإسلاميين. ولا سبيل إلى الحد من تلك الحالات - ومن القمع والقتل الذي يتعرَّض إليه الكثيرون - سوى لفت الانتباه إلى انتهاكات حقوق الإنسان التي تقع تحت شعارات "الشرعية" و "الأصالة" التي يتشدَّق بها الإسلاميون.
ويجب علينا أن نفعل ذلك لأنَّ هذا النوع من الطغيان خطر لا يواجهه أولئك المجبرين على الحياة في ظله فحسب، بل يواجهه العالم أجمع.
د. مجيد رفيع زاده، الأستاذ والباحث في العلوم السياسية بجامعة هارفارد، وهو أيضا رئيس المجلس الأمريكي الدولي المعني بالشرق الأوسط. ويمكن التواصل معه عبر البريد الإلكتروني على العنوان: Dr.rafizadeh@post.harvard.edu