تواجه طوائف الأقليات في مختلف أنحاء بنغلاديش مرة أخرى موجة من أعمال العنف والاضطهاد على يد الأغلبية المسلمة السنِّية. ففي الشهر الماضي أو نحو ذلك، تعرَّضت العشرات من المعابد الهندوسية للاعتداء، وأُضرمت النيران في مئات المنازل الخاصة بالمواطنين الهندوس، في مناطق مختلفة من البلاد.
وفي حادث واحد فحسب، شنَّت مجموعة من المسلمين هجمات أسفرت عن إصابة أكثر من 100 شخص بجروح وتشريد عدة مئات من الضحايا. وقد استُهدف الهندوس، وهم أكبر أقلية دينية في بنغلاديش بنسبة 9% من مجموع السكان، في الهجوم الذي وقع في 30 تشرين الأول/أكتوبر على بعد حوالي 120 كم من العاصمة دكا. وفي ذلك الهجوم، اعتدت جماعات من المسلمين بقيادة منظمتين إسلاميتين - 'أهل التوحيد' (Tawheedi Janata) و'أهل السنة والجماعة' - على أكثر من 15 معبدًا هندوسيًا و200 من المنازل المملوكة لمواطنين هندوس. واشتعلت أعمال العنف مرة أخرى بعدها ببضعة أيام، عندما شنَّ متطرفون هجمات مماثلة في نفس المنطقة، على الرغم من "يقظة" الشرطة.
وقبل يوم واحد من بدء الهجمات، انتشرت شائعة مفادها أنَّ رجلًا هندوسيًا يبلغ من العمر 27 عامًا ويُدعى 'راسراج داس' (Rasraj Das) عدَّل صورة للكعبة بأن ركَّب عليها صورة للإلهة الهندوسية 'شيفا'، ونشر الصورة على صفحته على فيسبوك. وفي غضون ساعات من نشر الصورة، احتجز بعض المسلمين المحليين 'داس' وسلَّموه إلى الشرطة. وقبل إلقاء القبض عليه، زعم 'داس' على صفحته على موقع 'فيسبوك' أنَّه بريء، قائلًا:
"أولًا، أودُّ أن اعتذر لإخوتي المسلمين لأنَّ شخصًا نشر صورة من حسابي على موقع 'فيسبوك' دون علمي. وفور علمي بذلك ليلة أمس (28 تشرين الأول/أكتوبر)، حذفت الصورة على الفور. نحن نعيش هنا جنبًا إلى جنب كإخوة هندوس ومسلمين، وأنا لست ممَّن يفكرون بهذه الطريقة، وبالطبع لست على هذا القدر من الوقاحة والطيش".
غير أنَّ محاولته لاسترضاء المسلمين لم تنجح. ففي 30 تشرين الأول/أكتوبر، وبعد وقت قصير من صلاة الفجر، طالبت مجموعات من المسلمين المتدينين عبر مكبرات الصوت الخاصة بالمساجد المجاورةالمسلمين بالنزول إلى الشوارع والانتقام من الهندوس بسبب ذلك "الإيذاء لمشاعر المسلمين". ووفقًا لرواية بعض الشهود، لم تهتم الإدارة المحلية وجهاز الشرطة بالأمر، ولم يتدخَّلا لحماية الأقلية الهندوسية.
وبعد هذا الموقف، انتشرت الاضطرابات في بنغلاديش؛ وشهدت العديد من المناطق الهندوسية هجمات اضطهادية مماثلة. واعتدى المسلمون الأصوليون على التماثيل الهندوسية، وأشعلوا النار في معابد الهندوس في عدَّة مقاطعات، وفي بعض الحالات، نُهبت المقتنيات الثمينة من المعابد. ويستخدم الهندوس تقليديًا الذهب لتزيين تماثيل الآلهة الهندوسية، والتي ترجع في بعض الأحيان إلى مئات السنين. وتُعدُّ هذه التماثيل والمقتنيات المقدَّسة قيِّمة للغاية؛ وفي أحد الحوادث، استُرد تمثال 'لاكشمي' (إلهة الحظ والثروة عند الهندوس) في وقت لاحق لوقوع أحد الهجمات من مسجد. وقبل ذلك بأحد عشر شهرًا، دمَّر مسلمون أصوليون في نفس المنطقة متحفًا يحتوي على 'سرود' أسطوري (آلة موسيقية) يخص 'علاء الدين خان' (Alauddin Khan)، وهو موسيقار شهير كان مصدر إلهام للعديد من مشاهير الموسيقيين، بمن فيهم 'بانديت رابي شانكار' (Pandit Rabi Shankar). وفي وجهة نظر الكثيرين، كان هذا الهجوم هو الأكبر من نوعه على الثقافة في المنطقة منذ أن دمَّرت حركة 'طالبان' تمثالين متطابقين لبوذا في منطقة باميان بأفغانستان.
وقد أعربت الهند عن قلقها إزاء سلامة أفراد الطائفة الهندوسية في بنغلاديش، والتي تضم ثالث أكبر مجموعة سكانية هندوسية في العالم. وفي تغريدة على تويتر، كتبت وزيرة الشؤون الخارجية الهندية 'سوشما سواراج' (Sushma Swaraj) قائلة:
"لقد طلبت من المفوض السامي الهندي في العاصمة البنغلاديشية دكا الاتصال برئيس الوزراء والإعراب عن قلقنا البالغ إزاء سلامة المواطنين الهندوس في بنغلاديش ورفاههم".
ويوجز التجمع الدولي لحقوق الأقليات حالة الكراهية المتفاقمة في البلاد كما يلي:
"منذ عام 2003، شهدت بنغلاديش سلسلة من الهجمات العنيفة على يد متطرفين. وكان من بين الضحايا - إلى جانب الملحدين، والمدونين العلمانيين، والليبراليين، والأجانب - العديد من المواطنين البوذيين والمسيحيين والهندوس، فضلًا عن أتباع الطائفة الأحمدية والمسلمين الشيعة. وقد أعلن تنظيم 'داعش' مسؤوليته عن عدد كبير من تلك الهجمات التي استهدفت أقليات دينية، وهو زعم تنكره بشدة الحكومة البنغلاديشية التي تنسب الهجمات إلى جماعات متطرفة محلية. وبصرف النظر... فمن الواضح أنَّ السلطات البنغلاديشية قد فشلت في حماية المُستهدفين. وإلى جانب العدد المتزايد من القتلى، بما في ذلك المدنيين الذين قُتلوا عشوائيًا في تفجيرات، أو الذين استهدفهم تحديدًا مهاجمون مسلَّحون بالسواطير في هجمات مدبَّرة... فقد أدَّى انعدام الأمن إلى تقليص قدرة المجتمع المدني على العمل بحرية... ولا زالت أحداث العنف الطائفي - وهي مشكلة تواجه الأقليات الدينية في بنغلاديش منذ زمن بعيد - تقع بانتظام، مدفوعة بالخصومات السياسية والطمع في الممتلكات و ما يتبدى للعيان من قدرة الجناة على الإفلات من العقاب".
وفي حادث آخر وقع في 6 تشرين الثاني/نوفمبر، هاجم عمال مصنع للسكر في منطقة رانغبور، برفقة السكان المحليين، أفرادًا من قبيلة السنتال، وهم من سكان المنطقة الأصليين. وقُتل ثلاثة من رجال القبائل الهندوس في الهجوم، وأُصيب العشرات بعد أن أمر أحد المسؤولين الخمسة الموجودين في موقع الحادث الشرطة بفتح النار عليهم. وفي وقت لاحق، ألقت إدارة المصنع باللوم على القرويين المحليين في ذلك الهجوم على قبيلة السنتال.
ويبدو أنَّ أعمال الاضطهاد ضد الهندوس تكتسب زخمًا؛ وعلاوة على ذلك، يبدو أنَّ الحكومة البنغلاديشية غير قادرة على حماية مواطنيها الهندوس من تلك الهجمات، أو غير راغبة في ذلك. ومؤخرًا، في 29 تشرين الثاني/نوفمبر، اعتدى المتطرفون على عشرة تماثيل لآلهة هندوسية في معابد عائلية تقع في منطقة ليست بعيدة عن العاصمة دكا. وفي الشهر نفسه، وقعت 60 حالة جديدة من انتهاكات حقوق الإنسان. وفي النهاية، توجد قائمة طويلة من الانتهاكات من جانب الإسلاميين - لم يُعتقل فيها إلا واحد من الجناة.
وقد شهدت تلك الموجة المتصاعدة من الأصولية الإسلامية في بنغلاديش طفرة في الحوادث الإرهابية المرتبطة بتنظيم 'داعش'. ففي تموز/يوليو الماضي، اقتحم مسلحون مقهى في العاصمة دكا وقتلوا 20 من مرتاديه، بمن فيهم 9 مواطنين إيطاليين و7 يابانيين ومواطن أمريكي وآخر هندي، قبل أن تتمكن القوات البنغلاديشية من قتل المهاجمين الستة. وقام المهاجمون بتعذيب أي شخص لم يتمكن من تلاوة القرآن، ثم قتله.
وأعلن تنظيم 'داعش' مسؤوليته عن الهجوم. ووفقًا لمنظمة 'سايت لاستخبارات مكافحة الإرهاب' (SITE Intelligence Group)، وهي منظمة غير حكومية ترصد الشبكات الجهادية، كان جميع المهاجمين من بنغلاديش.
وقد اتَّخذ صعود الأصولية الإسلامية والإرهاب والأنشطة المتطرفة في بنغلاديش في السنوات الأخيرة شكل التفجيرات والهجمات بالأسلحة الحادة، وعمومًا محاولات لزرع الخوف بين المجتمعات المسلمة وغير المسلمة. وقبل أحداث 11 سبتمبر 2001، كان الإسلام السياسي وأشكال التطرف الأخرى قد بدأت بالفعل في الظهور إلى السطح في المنطقة. وحسبما ورد في لتقرير جورج تاون للدراسات الأمنية (Georgetown Security Studies Review) لعام 2014:
"تعمل مدرسة جديدة للإسلام مصدرها المملكة العربية السعودية على تغيير المشهد الديني في جنوب آسيا. فقد دخلت الوهابية، وهي مدرسة سنيَّة أصولية نشأت في المملكة العربية السعودية، إلى جنوب آسيا في أواخر السبعينات. وبتمويل سعودي، حكومي وخاص على حد سواء، اكتسبت الوهابية نفوذًا بين المجتمعات الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة. ونتيجة لذلك، تغيَّرت طبيعة الديانة الإسلامية في جنوب آسيا تغيرًا كبيرًا في العقود الثلاثة الماضية. وكانت النتيجة زيادة في أعمال العنف من جانب الإسلاميين في باكستان وكشمير وبنغلاديش".