حتى الآن، سقط ما لا يقل عن 31 قتيلًا و300 جريح ضحايا للهجمات الإرهابية التي وقعت في مطار بروكسل وإحدى محطات مترو الأنفاق في المدينة.
ويمكننا أن نقول أنَّ ذلك صادم، ومقزِّز، ومروِّع - ولكنه ليس مُستغربًا.
لماذا يصعب علينا أن نفهم أنَّ الجهاديين الإسلاميين المتطرفين قد أعلنوا الحرب على الغرب؟ وبعبارة أبسط فإنَّ هذه الحرب تعني أنَّهم سيبحثون عنكم ويقتلونكم متى وأينما كانوا قادرين على ذلك.
لماذا؟ لأنَّ الإسلاميين قد قرَّروا أنَّ الغرب هو "دار الحرب"، وهو مفهوم يجعل قتل أي شخص على هذه الأرض أمرًا مبررًا في نظرهم. وذلك يشملكم أنتم كما يشملني أنا وكل من يعيش بيننا - من الولايات المتحدة إلى كندا والمملكة المتحدة وبقية أوروبا.
وفي هذا العام وحده، وقعت هجمات إرهابية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في باريس وتركيا وسان برناردينو وإسرائيل وتورونتو وساحل العاج، وبالأمس القريب في بلجيكا. وسواء كانت هذه العمليات من تنفيذ جماعات، أو من تنفيذ من يُطلق عليهم "الذئاب الوحيدة"، فإنَّها ليست حالات منعزلة، بل يجمع بينها عنصر مشترك.
فجميع تلك الهجمات نتاج أيديولوجية خطيرة وعنيفة، بل ومريضة. والمرة تلو الأخرى، يسلط الكثيرون منا، نحن المسلمون الذين يساورنا القلق، الضوء على مخاطر الإسلام السياسي/الحركة الإسلامية، التي تنبع من واحد من ثلاثة مصادر: جماعة الإخوان المسلمين، والحركة الوهابية/السلفية، والحركة الخومينية. وعلى مدى 35 عامًا، كان نجم هذه الأيديولوجية يزداد لمعانًا، فيما كان الغرب غافلًا عمَّا يجري، يملأ عقله بهراء حول كيفية معالجة هذه المسألة بشيء من "الحساسية". إنَّ التصريح بالحقيقة لا يجب أن يكون أبدًا مقيَّدًا بالكياسة السياسية.
فكيف نتعامل نحن المسلمون مع هذا الرعب المستمر المرتكب باسم ديننا؟ تقول لنا وسائل التواصل الاجتماعي الكثير عن ذلك. فهناك هواة الإنكار والتبرير المعتادون، وهناك مقارنة منتشرة فحواها أنَّه "بينما نتضامن مع بروكسل، يجب أن نتذكر كل بلد آخر في العالم"، وهي مقارنة تهدف إلى تمييع أثر المجزرة المروِّعة التي ارتُكبت للتو في بلجيكا، وتطل بوجه قبيح تملؤه القسوة والرغبة في صرف الأنظار عن المسألة الحقيقية.
ثمَّ تبدأ أيديولوجية الضحية في عملها، لينتقل الحديث إلى الخوف من رد فعل عنيف. وأقول: دعونا نتكلم، دعونا نتحمَّل المسؤولية، ونتعامل مع ردود الفعل - لأنَّ الأمر سيكون أسوأ إذا بقينا على صمتنا.
وفوق كل هؤلاء، هناك أناس مثل السياسي البريطاني المقزِّز 'جورج غالاواي' (George Galloway) الذي يقول إنَّ أوروبا مسؤولة عمَّا حدث. فلا أحد يريد أن يتصدى للمسألة الحقيقية.
إنَّ المسألة الحقيقية هي أنَّ هذا العنف سوف يستمر، بل وسوف يصير أسوأ بكثير، إذا لم نقف جميعًا ونعترف بالفيروس القبيح الساكن بيننا، ونقول لا للجهاد المسلح. إنَّ جميعنا، بصوت واحد، في حاجة إلى شجب الجهاد المسَّلح وإدانته، لأنَّه مفهوم من تراث القرن السابع، غير قابل للتطبيق في هذا العصر.
كيف تناولت وسائل الإعلام هذه المسألة؟ على الفور، استقدموا "الخبراء" بهدف تحليل دوافع المهاجمين حتى الثمالة. ولكن، لم يتبق ما يحتاج إلى تحليل. لأنَّ الأمر بسيط: إنَّها حرب أُعلنت ضدنا. فدعونا نترك اللغو ونفعل شيئًا حيال ذلك.
إذ لا ينبغي أن تطغى الكياسة السياسية أبدًا على الحقيقة.
وتأكيدًا لهذه النقطة، دعوني أروي لكم شيئًا: في أعقاب هجوم على اثنين من ضباط الجيش الكندي في تورونتو في 14 آذار/مارس 2016، دُعيت في اليوم التالي للتعليق على شاشة محطة تلفزيون محلية. وفي البداية، لم ترغب وسائل الإعلام في نشر ما قاله المعتدي: "إنَّ الله هو من أمرني بذلك". وفي اليوم التالي، أفادت وكالات الأنباء أنَّ المهاجم يعاني من "اضطراب عقلي". ومرة أخرى، ليس في ذلك ما يثير العجب. لأنَّ الاضطراب العقلية سبب بديل مناسب. ولكنني قلت لتلك المحطة إنَّه إذا كان إنسان ما عاقلًا بما يكفي للعثور على موقع عسكري محدد، ومهاجمة اثنين من الضباط، فهو عاقل بما يكفي أيضًا ليكون إرهابيًا.
ومرة أخرى، عجزنا عن أن نرى الحقيقة. ولم تنشر محطة 'سي تي في' (CTV) مقابلتها معي على الإنترنت أبدًا. فهل هم عاجزون عن مواجهة الحقيقة؟
وفي الوقت نفسه، انتهجت قيادتنا فلسفة قوامها الشعار "احتضن إرهابيًا"، وحوَّلت النقاش ليسير على نهج أغنيات الأطفال من حيث الكياسة السياسية.
وفي 22 تشرين الأول/أكتوبر 2014، كتبت في مدونتي رسالة مفتوحة إلى الكنديين. وفي تلك الرسالة، قدَّمت بعض الاقتراحات الواضحة حول الأخطار التي نواجهها، والحلول الممكنة لها. وكان رد الفعل سريعًا وغاضبًا، ليس من جانب المسلمين فحسب، بل أيضًا من جانب الليبراليين البيض مفرطي التعاطف - أولئك الذين لا يساعدون قضيتنا بترويجهم لأيديولوجية الضحية.
لذا، ومرة أخرى، نعود إلى النقطة التي كنَّا فيها منذ سنوات عديدة، ولكنَّنا الآن أسوأ حالًا، لأنَّ مئات آخرين من المدنيين سقطوا في الحرب التي تشنُّها الحركة الإسلامية المتطرفة ضد الغرب.
إنَّ التصدي لهذا الجهاد المسلح مسؤوليتنا نحن، لأنَّ المشكلة تنبع من "دار الإسلام"، وحياة أجيالنا القادمة على المحك.
وهناك حلول. إنَّ منظمة التعاون الإسلامي، والتي تضم في عضويتها 57 دولة مسلمة موزعة على أربع قارات، هي ثاني أكبر منظمة حكومية دولية بعد الأمم المتحدة. إنَّ العالم بحاجة إلى أن يضع منظمة التعاون الإسلامي موضع المساءلة، وأن يطالبها بأن توضح ما تفعله لوقف موجة العنف النابعة من العالم الإسلامي. إنَّ العالم بحاجة إلى أن يفهم أنَّ تنظيم 'داعش' لا يحاول إقامة خلافة إسلامية. لأنَّ منظمة التعاون الإسلامي هي الخلافة الإسلامية. ويفضِّل أعضاؤها أن يشيحوا بأنظارهم بعيدًا في مواجهة هذا الإرهاب السافر، لأنَّ هدفهم الوحيد هو زعزعة دولة إسرائيل وإدانة الغرب.
ولا يمكن أن نسمح لمنظمة التعاون الإسلامي أن تتحدث بالنيابة عنَّا. فنحن نواجه خيارًا بسيطًا: يمكننا أن نتحدث باسم أنفسنا الآن، أو أن ننتظر حتى يتحدث السيد 'ترامب' (Trump) باسمنا بعد انتخابه.
'راحيل رضا' هي رئيسة "مجلس المسلمين في مواجهة الغد" وعضو مؤسس في "حركة الإصلاح الإسلامي".