اتَّهمت الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية وجماعات أخرى قوات التحالف بقيادة السعودية بارتكاب جرائم حرب في اليمن. ويدَّعي تقرير مسرَّب من الأمم المتحدة أنَّ عمليات القصف الموجَّهة ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، والذين يسعون إلى الإطاحة بالحكومة الشرعية في اليمن باستخدام العنف، قد استهدفت المدنيين بأسلوب متعمد ومنهجي وواسع النطاق.
وإذا كان تأكيد الأمم المتحدة حقيقيًا، وكان التحالف يقتل آلاف المدنيين على نحو متعمَّد وغير متناسب، فإنَّ ذلك يُعدُّ جريمة حرب. ولكن من غير المحتمل أن يكون ذلك صحيحًا. فلم تقدِّم الأمم المتحدة أي أدلة فعلية على ارتكاب جرائم حرب. ولا تستند أيٌ من هذه الادعاءات إلى تحقيقات أُجريت على أرض الواقع. فلم يذهب خبراء الأمم المتحدة لزيارة اليمن، وإنما اعتمدوا على الأقوال المرسلة وتحليل الصور الفوتوغرافية.
ولدى الأمم المتحدة تاريخ طويل في إطلاق الادعاءات غير المدعومة بالأدلة بشأن ارتكاب جرائم حرب من جانب القوات المسلحة التابعة للدول ذات السيادة. ففي العام الماضي، ومن دون أي خبرة عسكرية، ورغم أنَّها لم تزُر غزة قط، أدانت إحدى لجان الأمم المتحدة جيش الدفاع الإسرائيلي باستهداف المدنيين الفلسطينيين في عام 2014. وقوبل هذا التقييم برفض قاطع من جانب الجنرال 'مارتن دمبسي' (Martin Dempsey)، أعلى ضباط المؤسسة العسكرية الأمريكية رتبة باعتباره رئيس هيئة الأركان المشتركة.
وقد أكَّدت النتائج التي توصل إليها 'ديمبسي' لجنة مستقلة من ذوي الخبرة من كبار الضباط والمسؤولين العسكريين من تسعة بلدان. فقد وجد الفريق العسكري الرفيع المستوى أنَّ إسرائيل لم ترتكب جرائم حرب، بل في الواقع، وضعت ضوابط لتفادى سقوط ضحايا من المدنيين تبلغ من الصرامة حدًا يصعب على جيوش الدول الأخرى مضاهاته.
وعلاوة على ذلك، قالت الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر الماضي أنَّ توجيه ضربة جوية أمريكية ضد مستشفى في قندوز في أفغانستان مسألة "لا تقبل التبرير" ويمكن أن تُعتبر "جريمة حرب". ولا يضاهي قوات الولايات المتحدة الأمريكية في التدابير التي تتخذها لتفادي سقوط ضحايا من المدنيين سوى عدد قليل من الجيوش في العالم. وأي شخص شهد بالفعل أعمالًا قتالية يعرف أنَّ تلك الوقائع، على مأساويتها، فإنَّها عندما تقع من جانب قوات غربية، فالاحتمال الأرجح أن تكون ناتجة عن خطأ بشري أو عن فوضى المعارك الحربية، لا جرائم حرب متعمدة.
وهناك من الأسباب ما يكفي للاعتقاد بأنَّ الأمم المتحدة تطلق الاتهامات جزافًا مرة أخرى. فلا شك في أنَّ الآلاف يموتون في اليمن في ظل ظروف مروعة. ولكن لا يمكننا أن نقبل أعداد الضحايا التي أعلنتها الأمم المتحدة على عواهنها، ولا سيما الأعداد التي تزعم أنَّ التحالف السعودي قد تسبب فيها. فمعظم البيانات مصدرها المتمردين الحوثيين، سواء على نحو مباشر أو عن طريق منظمات غير حكومية، واعتُبرت صحيحة دون تمحيص. وقد تعلَّم الحوثيون دروسًا كثيرة من حركتي 'حماس' و'الجهاد الإسلامي' في غزة، وكلتاهما مدعومتان من إيران أيضًا. وتشمل هذه الدروس تزوير أرقام الخسائر المدنية وأسباب وقوعها. وكما ابتلعت الأمم المتحدة طُعم أعداد الضحايا في غزة دون تفكير، تُكرر الآن الخطأ نفسه في اليمن.
فكما كان حال الحملة الدفاعية التي قامت بها إسرائيل في غزة في عام 2014، والدعم العسكري الأمريكي المستمر للنظام الأفغاني، فإنَّ حرب السعوديين للدفاع عن حكومة اليمن وكبح العدوان الإيراني في المنطقة هي حرب قانونية ومشروعة. ولذلك، يجب تقييم مشروعية سقوط القتلى المدنيين وفقًا لقوانين النزاع المسلح، ولا سيما فيما يتعلق بما إذا كانت قد اتُّخذت تدابير احترازية كافية لتجنب سقوطهم، وما إذا كانت أعداد الضحايا متناسبة مع الأهداف العسكرية، وما إذا كانت ضرورية لتحقيق الأهداف العسكرية المشروعة. ولا يمكن للأمم المتحدة أن تطلق مثل هذه الأحكام على عواهنها دون أن تجري تحقيقًا أوسع نطاقًا وأكثر دقة، وبأي حال لا يمكنها أن تفعل ذلك استنادًا إلى المعلومات المقدمة من أعداء المملكة العربية السعودية ومن تحليل الصور الفوتوغرافية.
ولا يحب معظمنا الطريقة التي يدير بها النظام السعودي بلاده بتطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقًا صارمًا، ونُمقت بالتأكيد سجل هذا النظام في مجال حقوق الإنسان. ولكنَّ الروح العسكرية السعودية معروف ومألوفة جيدًا بين القادة العسكريين الغربيين، بما في ذلك من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، الذين عملوا عن كثب مع السعوديين لسنوات عديدة. والحقيقة أنَّ ضباطنا الذين يعملون إلى جانب السعوديين الآن يشهدون بأنَّ السعوديين وحلفاءهم لا يحاولون قتل المدنيين الأبرياء عمدًا. بل في الواقع، يفعلون أفضل ما في وسعهم للحد من الإصابات في صفوف المدنيين. والسؤال هو ما إذا كان "أفضل ما في وسعهم" جيدًا بما يكفي.
وفي حين تستخدم قوات المملكة العربية السعودية وحلفائها أكثر المعدات القتالية الغربية تطورًا، بما في ذلك الطائرات الحربية والمروحيات والطائرات بدون طيار والذخائر الدقيقة التوجيه، فإنَّها تفتقر إلى الخبرة القتالية الفعلية. وتُستثنى من ذلك قوات دولة الإمارات العربية المتحدة المنضمة إلى التحالف. إذ أنَّ لديها سنوات عديدة من الخبرة القتالية إلى جانب الجيوش الغربية، بما في ذلك في الصومال وكوسوفو وليبيا وأفغانستان. ولهذا السبب، حققت قوات الإمارات نتائج جيدة في اليمن بدرجة عالية من الاحترافية والفعالية في بحرًا وبرًا وجوًا.
غير أنَّ نقص الخبرة لدى سائر أعضاء التحالف يجعلهم متأخرين كثيرًا عن قواتنا في استخدام قدرات القرن 21 المعقدة فيما يتعلق بجمع الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع والاتصالات وتحديد الأهداف.
إلا أنَّ التحالف يواجه نفس التحديات الصعبة التي نواجهها في ساحات القتال في كل مكان. فخصومهم الحوثيون يقاتلون وفقًا للعقيدة القتالية الواضحة التي وضعها داعموهم في 'فيلق القدس' الإيراني. فعلى ذات النهج الذي تتبعه حركات مثل 'حزب الله' و'حماس' و'طالبان' و'القاعدة' و'داعش'، تشمل أساليب الحوثيين قتل المدنيين عمدًا، والقتال من داخل التجمعات السكنية، وإجبار الأبرياء على أن يصبحوا دروعًا بشرية.
وفي حين يتجاهلون تمامًا قوانين الحرب، يستغلون تقيد أعدائهم بها. ويسعون إلى استدراج خصومهم للهجوم والتسبب في قتل المدنيين. ويستغلون السذج أو المتعاونين من الصحفيين والمنظمات الدولية وجماعات حقوق الإنسان لترويج دعايتهم، بما في ذلك الإدلاء بشهادات مزورة وتزييف الصور بطريقة منهجية. ويهدفون بذلك إلى إثارة موجة من الإدانات الدولية لتقييد حركة أعدائهم المتفوقين عسكريًا.
وقد رأينا أدلة موثوقة من آثار الضربات الجوية في اليمن تناقض النتائج التي توصَّلت إليها الأمم المتحدة كليًا. فالتحليل الجنائي يظهر أنَّ السعوديين وحلفاءهم لا يتعمدون استهداف المدنيين وإنما يتخذون خطوات ملحوظة للحد من الوفيات في صفوف المدنيين. وجدير بالذكر أنَّهم تعلموا الكثير من العمليات التي قامت بها إسرائيل في قطاع غزة. وقد تضمن ذلك استخدام الذخائر الخاملة لشن هجمات دقيقة ضد المتمردين مع الحد من الأضرار الجانبية.
فلماذا تنفق قوات التحالف مبالغ كبيرة من المال في صراع عالي التكلفة، وتستخدم الذخائر العالية الدقة، وتعرض طياريها للخطر إذا كانت تريد ذبح المدنيين؟ ولماذا لا تستخدم ذخائر غير موجهة، وهي أرخص بكثير، أو البراميل المتفجرة التي يستخدمها نظام 'الأسد'؟
إنَّ الأغلبية الساحقة من الضحايا المدنيين الذين سقطوا على أيدي قوات التحالف الذي تقوده السعودية لا ترجع إلى الاستهداف المتعمد، ولكن إلى نقص خبرة الطيارين، وبدائية قدرات جمع الاستخبارات وتحديد الأهداف في مواجهة عدو يحارب من داخل تجمعات سكانية. وحالات الاحتكاك والارتباك والتوتر وضباب الحرب قد تؤدي بأكثر القوات العسكرية تطورًا وخبرة وقدرة على ضبط النفس، مثل القوات المسلحة الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية، إلى قتل المدنيين عن غير قصد في بعض الأحيان. وبعكس ما تزعمه الأمم المتحدة، فمن غير المحتمل أن تمثل تلك الخسائر جرائم حرب.
وتبدو الحرب على اليمن، شأنها في ذلك شأن كل الصراعات المشتعلة في الشرق الأوسط، مستعصية على الحل تقريبًا، ولها تكلفة فادحة من المدنيين الأبرياء، ومن غير المرجح أن تنتهي إلى أي شيء يقترب من الحل الأمثل. ولكن المملكة العربية السعودية وحلفاءها يبذلون جهودًا كبيرة لاستعادة الاستقرار إلى البلاد وتمكين حكومته الشرعية.
وعدم الاستقرار في اليمن يقوض المصالح الغربية، بما في ذلك إمدادات النفط. كما يسمح عدم الاستقرار لتنظيمي 'القاعدة' و'داعش' - وكلاهما خطر معروف وفتاك يتهدد الولايات المتحدة والغرب - أن يزدهرا هناك.
وبمواجهة الحوثيين في اليمن، تقف المملكة العربية السعودية أيضًا في مواجهة إيران التي تمثل تهديدًا أكبر للمنطقة وللعالم. فبعد الجرأة التي اكتسبتها إيران من جراء الاتفاق النووي الذي عقدته مع إدارة الرئيس 'باراك أوباما'، وما ترتب على ذلك من تدفق الثروة الناجم عن الإفراج عن مليارات الدولارات من الأموال المجمدة، وبدعم من عائدات النفط التي ستشهد زيادة قريبة، يتفشى العدوان الإمبراطوري الإيراني اليوم في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
ورغم أنَّ الكثيرين ليسوا من محبي المملكة العربية السعودية، فإنَّها تظل حليفًا محوريًا للغرب. وعلينا أن نواصل تقديم الدعم لها في حربها في اليمن. ويجب ألا نسمح للإدانات الزائفة المضلَّلة، مهما تعالت حدتها، من جانب الأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام بأن تقوض فعالية الأعمال القتالية التي تقوم بها السعودية، مثلما سعت لتقويض جهود قوات شرعية أخرى تقاتل المتمردين الخارجين على القانون في الكثير من الأنحاء الأخرى.
الكولونيل 'ريتشارد كيمب' كان قائد القوات البريطانية في أفغانستان. وقد عمل في العراق والمملكة العربية السعودية ومنطقة البلقان وأيرلندا الشمالية، كما شغل منصب رئيس فريق الإرهاب الدولي التابع للجنة الاستخبارات المشتركة في المملكة المتحدة. 'جاسبر ريد' محلل بريطاني متخصص في شؤون السياسة والدفاع والأمن الدولي.