
إذا أراد السياسيون الغربيون والمنظمات أن يلقوا اللوم على أحد لحصائل الوفيات العالية في الصراعين بغزة ولبنان، فلا يحتاجون إلا النظر الى الجماعات الإرهابية المدعومة إيرانياً التي تخاطر بحياة المدنيين الأبرياء بسخرية، وذلك في سبيل تحقيق أجندتها الخبيثة.
منذ اللحظة التي شن فيها إرهابيو حماس المدعومون إيرانياً هجومهم القاتل ضد إسرائيل بتاريخ 7 أكتوبر 2023، حيث قتلوا 1200 شخص وأسروا نحو 250 شخص ليكونوا رهائنهم، أظهر إرهابيو حماس تغافلاً عن حياة المدنيين الفلسطينيين القاطنين في غزة وعافيتهم.
سواء استخدموا المدارس والمستشفيات والمباني العامة التي يكون من المفروض أن تحظى بالمناعة في الصراع تحت القانون الدولي، أو استخدموا المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية، خاطر إرهابيو حماس بشكل ثابت بعافية الناس الذين يزعمون أنّهم يدافعون عنهم.
والصورة مشابهة في لبنان، حيث يتبين الآن أنّ مقاتلي حزب الله المدعومين إيرانياً وضعوا مخازن صواريخهم ومراكز قيادتهم في مناطق مدنية مكتظة عمداً.
بينما نفذ جيش الدفاع الإسرائيلي مجموعة من الإجراءات في غزة ولبنان تفادياً لوقوع الضحايا المدنيين (بما في ذلك تشجيع المدنيين على مغادرة بيوتهم قبل العمل العسكري)، يلقي السياسيون الغربيون والمنظمات اللوم بشكل غير متغير على إسرائيل لأي ضحايا مدنيين، وفي الحقيقة ينبغي عليهم أن يلقوا اللوم على إرهابيي حماس وحزب الله الذين يعرضون شعبهم للضرر في المقام الأول.
إنّ الحكومات الغربية وأجزاء كبيرة من الإعلام لا تدقق في معادل الضحايا المدنيين في غزة ولبنان بشكل كاف.
على سبيل المثال، في غزة، تقوم وزارة الصحة التي تديرها حماس بتوفير معظم أرقام الضحايا، ويفترض السياسيون الغربيون في كثير من الأحيان أنّ 40.000 مدني فلسطيني قُتلوا نتيجة العمل العسكري الإسرائيلي، من دون التدقيق في هذه المزاعم.
لا يُذكر أنّ نسبة مهمة من هؤلاء الضحايا هم بالفعل إرهابيو حماس الذين قتلوا في القتال ضد جيش الدفاع الإسرائيلي.
تقّدر التقديرات الأخيرة أنّ عدد إرهابيي حماس الذين قتلوا في غزة خلال السنة الماضية من القتال الشرس ما يقارب 20.000، مما يشرح نسبة مهمة من أرقام الضحايا المدنيين التي توفّرها وزارة الصحة التي تديرها حماس.
كذلك تزيد حماس معاناة المدنيين الفلسطينيين في سبيل الضغط على إسرائيل من أجل انهاء حملتها العسكرية، من خلال حرمان العائلات الفلسطينية من المساعدات اللازمة جداً.
في حين أنّ إدارة بايدن والمنظمات الدولية وخاصة تلك التي تعمل لصالح الأمم المتحدة، انتقدت إسرائيل بشكل ثابت على أساس عدم توفير المساعدات الكافية لغزة، أصبح من المعروف بشكل عام الآن أنّ حماس تسيطر على شبكة توزيع المساعدات بشكل منفرد تقريباً.
عندما يحاول الغزاويون الذين يتم توجيه المساعدات إليهم، أن يقتربوا منها، وردت تقارير عن اطلاق النار عليهم من قبل عناصر حماس (راجع مثلاً: هنا وهنا وهنا وهنا وهنا وهنا).
فبدلاً من انتقاد إسرائيل بسبب النقص في توفر المساعدات في غزة، كان من الأفضل أن تركز إدارة بايدن، إذا اهتمت فعلاً بتخفيف معاناة المدنيين الفلسطينيين، على حماس وداعميها في إيران وقطر، علماً أنّ الإدارة هددت إسرائيل بمنع توصيل الأسلحة في حال عدم زيادة توفير المساعدات.
إنّ استغلال قادة حماس لمعاناة الفلسطينيين العاديين بسخرية واضح من الحياة الفاخرة التي حظي بها قائد حماس يحيى السنوار وعائلته في مخبأ تحت منطقة خان يونس الفلسطينية المفقرة بغزة.
بينما تعرضت النساء والأطفال الفلسطينية القاطنة فوق المخبأ للمجاعة، حظي السنوار وعائلته بمسكن مريح على عمق كبير تحت الأرض، وكانت فيه وفرة المواد الغذائية الصادرة عن الأمم المتحدة، فضلاً عن نقود قدرها نصف مليار دولار ودوشة خاصة.
وليست غزة المكان الوحيد الذي يستغل فيه الإرهابيون المدعومون من قبل إيران معاناة المدنيين بينما يحظى الإرهابيون أنفسهم بحياة الرفاهية والغناء.
القصة مشابهة في لبنان، حيث تثبت الأخبار الأخيرة أنّ قادة حزب الله المدعومين من قبل إيران قاموا بإخباء مئات الملايين من الدولارات بشكل نقود وذهب في "مخبأ الأموال" تحت مستشفى ببيروت، بما في ذلك (تبعاً للتقارير) نصف مليار دولار تعود ملكيته الى الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الذي اغتيل في الفترة الأخيرة.
بحسب التفاصيل الأخيرة التي وفر جيش الدفاع الإسرائيلي، فإنّ هذا الكنز تم تهريبه من إيران في إطار اتفاق مع القائد السابق للجماعة الإرهابية حسن نصر الله، الذي قُتل بضربة إسرائيلية السنة الماضية.
جاءت الأخبار حول الكنز النقدي في ظل المزاعم القائلة بأنّ حزب الله قام بتخزين مجموعتها من الصواريخ ذات المدى البعيد في بيوت مدنية من أجل تجنب اكتشاف جيش الدفاع الإسرائيلي لها، مما حدا بالإسرائيليين الى اصدار إنذارات متكررة موجهة الى المدنيين اللبنانيين في المنطقة، حتى يغادروا بيوتهم قبل العمل العسكري الإسرائيلي المحتمل.
نظراً لإرادة الوكلاء الإيرانية مثل حماس وحزب الله للتضحية بعافية المدنيين من أجل تحقيق أهدافها الخبيثة، لا نستغرب من أنّ هناك دليلاً متزايداً على عدم الرضى عن هذه التكتيكات بين الفلسطينيين واللبنانيين.
في غزة ولبنان، هناك نسبة متزايدة من السكان المدنيين الذين يقال إنّهم يريدون أن يتحرروا من القمع الذي يعانون منه على أيدي إرهابيي حماس وحزب الله- الأمر الذي ينبغي على القادة الغربيين والمنظمات الدولية أن يحتسبوه عندما يقدّرون سياساتهم تجاه الصراع المتزايد في الشرق الأوسط.
إذا أرادت بالفعل إدارة بادين وحلفاؤها في الإعلام والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي أن ترى حلاً سلمياً للصراعات في غزة ولبنان، فينبغي عليها أن توجّه انتقادها الى إساءة حماس وحزب الله وداعميهما الى المدنيين، وليس إسرائيل.
إنّ إنهاء العمليات الخبيثة للجماعات الإرهابية مثل حماس وحزب الله هو أفضل طريق نحو إنهاء الصراعات في غزة ولبنان على التوالي، وتوفير فرصة حقيقية للفلسطينيين واللبنانيين العاديين من أجل تحسين حياتهم.
كون كوغلين (Con Coughlin) هو محرر جريدة "دي تليغراف" (The Telegraph) لشؤون الدفاع والشؤون الخارجية وزميل أقدم بارز في معهد جيتستون (Gatestone Institute).