بدأت فرية الدم ضد إسرائيل في لاهاي (The Hague)، حيث وجهت دولة جنوب إفريقيا الفاشلة اتهامات الإبادة الجماعية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية.
ما هي محكمة العدل الدولية؟ ليست دولية، لأنّها تستبعد القضاة المنحدرين من بعض الدول. وليست محكمة حقيقية، لأنّ القضاة تختارهم دولهم وهم يتبعون التعليمات الصادرة عمن عيّنوهم. ولم تطبق العدل، لأنّها متحيزة ضد إسرائيل منذ زمن طويل. إنْ المحكمة هي محكمة الأمم المتحدة، وهذا يبين لك كل ما تحتاج ان معرفته بشأنها. لقد أصبحت الأمم المتحدة مكبر صوت التعصب ومعاداة السامية. كما قال دبلوماسي إسرائيلي ذات مرة، لو عرضت الجزائر قراراً يدعي أنّ الأرض مسطحة وإسرائيل سطّحتها، لصوتت 120 دولة لصالحه و27 دولة ضده، مع امتناع 32 دولة عن التصويت. وتستطيع تسمية الدول في كل مجموعة من المجموعات قبل أن يتم تقديم الدليل.
إنّ الأمم المتحدة ومحكمتها زائفة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. الحقائق واضحة: لم ترتكب إسرائيل إبادة جماعية، ولم تخالف القانون الدولي بما أنّها دافعت عن نفسها في وجه وحشية حماس. يدعو ميثاق حماس الى الإبادة الجماعية ضد يهود إسرائيل، ويقوم جنوب افريقيا بتوفير ملاذ آمن للإرهابيين التابعين لحماس، والدفاع عن أعمال القتل والاغتصاب التي ارتكبتها حماس. يجب محاكمة حماس لمحاولة ارتكاب الابادة الجماعية، مع محاكمة جنوب إفريقيا لتواطئها مع حماس. بدلاً من ذلك، تُتهم دولة الشعب اليهودي بفرية الدم، رغم جهودها الكبيرة من أجل تجنب سقوط الضحايا المدنيين إبان حملتها المشروعة للقضاء على حماس.
هناك عدد زائد من الضحايا المدنيين في غزة، ولكن لا أحد يعرف نسبة المدنيين بين القتلى والجرحى مقابل نسبة الإرهابيين ومن يساعدونهم. حماس هي الجهة المسؤولة عن الضحايا المدنيين: أولاً لأنّها شنت الحرب بقتل المدنيين الإسرائيليين، وثانياً لأنّها تخفي أصولها العسكرية بين المدنيين من أجل استخدامهم كدروع بشرية. ويبدو أنّ حركة حماس أطلقت النار على مواطنيها لتمنعهم من الالتجاء الى جنوب غزة كما حثهم الإسرائيليون.
يثبت الدليل بما لا يفسح مجالاً للإنكار أنّ حركة حماس ارتكبت الكثير من الجرائم الحربية. أولا: هاجمت المدنيين الإسرائيليين الذين كانوا يحضرون مهرجاناً موسيقياً ويعيشون بسلام. ثانياً: أمرت الإرهابيين التابعين لها بأن يغتصبوا ضحاياهم ويعتدوا عليهم جنسياً، وبذلك قامت حماس بتسليح الاعتداء الجنسي في زمن الحرب. ثالثاً: أطلقت الآلاف من الصواريخ ضد الأهداف المدنية الإسرائيلية. رابعاً، بنيت أنفاقاً مع مخارج قريبة من المناطق المدنية الإسرائيلية، وذلك بهدف قتل المدنيين وخطفهم. خامساً، وضعت عمداً راجمات الصواريخ ومراكز القيادة في المناطق المدنية، حتى تجبر إسرائيل على الحاق الأضرار الجانبية بين المدنيين. سادساً، استخدمت الأطفال وحتى الرضع كدروع بشرية من أجل منع إسرائيل من انقاذ رهائنها. سابعاً، سيطرت على المستشفيات والمدارس والمساجد والموارد البشرية الأخرى وقامت بتحويلها الى أصول عسكرية. ثامناً، جندت البنات والبنين البالغين من العمر 13 و14 سنة لكي يصبحوا إرهابيين. تاسعاً، أجبرت النساء على القيام بعمليات انتحارية تستهدف المدنيين الإسرائيليين. عاشراً، نظمت حصول العمال المدنيين المنحدرين من غزة على الوظائف في إسرائيل حتى يزودوا حركة حماس بمعلومات استغلتها من أجل قتل المدنيين الإسرائيليين.
أشادت حماس بجنوب إفريقيا للقيام بعملها القذر وتوجيه فرية الدم ضد إسرائيل. منذ وفاة نيلسون مانديلا (Nelson Mandela)، ذهب البلد الى أسفل من حيث مكانته. لقد أصبح كليبتوقراطية فاسدة مع تزايد معدلات الإجرام والتفاوت الضخم. فيترك الإفريقيون الجنوبيون البيض والسود الدولة الفاشلة بأعداد هائلة. صرفاً للأنظار عن اخفاقاته تجاه شعبه يفعل جنوب إفريقيا ما يفعل الكثير من المعادين للسامية على مر السنين، حيث أنّه يستعمل إسرائيل واليهود كأكباش الفداء من أجل صرف الأنظار عن اخفاقاته.
إنّ جريمة الإبادة الجماعية تتطلب نية القضاء على شعب بأكمله، وذلك على أساس العرق أو الدين. وتتطلب الأفعال الهادفة الى تحقيق تلك الغاية. أمّا إسرائيل، فتقوم بعكس ذلك بالنسبة للعرب والمسلمين في غزة، حيث أنهت الاحتلال في عام 2005، تاركة المعدات الزراعية والموارد المادية الأخرى التي كان يمكن استخدامها من أجل تحويل غزة الى سنغافورة على البحر المتوسط. ووفرت الخدمات الطبية لسكان غزة الذين يحتاجون الى موارد إسرائيل الاستثنائية، كما وفرت فرص عمل للآلاف من سكان غزة مع رواتب جيدة. لذلك ازداد عدد سكان قطاع غزة بشكل كبير على مر السنين التي اتهمت فيها إسرائيل بإبادة جماعية. ولا تدل هذه الأشياء على الإبادة الجماعية. ما قامت به إسرائيل قائم على اعتبار واحد لا غيره: ألا وهو ضرورة حماية مدنييها من مساعي حماس لارتكاب الإبادة الجماعية بحق مدنييها اليهود.
تمت صياغة مصطلح "الإبادة الجماعية" لوصف مساعي النازيين التي نجحت بشكل عام وهدفت الى انهاء الوجود اليهودي بأكمله في أوروبا، وذلك من خلال استخدام غرف الغاز وحفر الإعدام بإطلاق النار وآليات صناعية أخرى من أجل القتل الجماعي. إنّ تحويل هذا المصطلح المهم الى سلاح ضد أحفاد اليهود الذين نجوا من الإبادة الجماعية النازية يُعتبر تحريفاً للتاريخ والأخلاق واللياقة الأساسية.
لو استنتجت محكمة العدل الدولية زوراً أنّ إسرائيل مذنبة بالإبادة الجماعية، لدمر ذلك ما قد يبقى من مصداقية المحكمة. لو حدث هذا الأمر، لوجب أن تترك الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى المحكمة، واتخذت تلك البلدان هذه الخطوة على الأرجح، لأنّ المحكمة لن تستحق الشرعية المشتقة من عضوية أي دولة محترمة.
آلان أم ديرشويتز (Alan M. Dershowitz) هو أستاذ "فيليكس فارنكفورتر" الفخري (Felix Frankfurter Emeritus Professor) للحقوق في كلية هارفارد للحقوق، وآخر مؤلفاته هو كتاب "اعتقال ترامب: التهديد للحريات المندية والإجراءات القانونية الواجبة وحكم دستورنا" (Get Trump: The Threat to Civil Liberties, Due Process, and Our Constitutional Rule of Law). وهو زميل "مؤسسة جاك روث الخيرية" (Jack Roth Charitable Foundation Fellow) في معهد جيتستون، فضلاً عن كونه المضيف لبودكاست "ذي ديرشو" (The Dershow)