مضت حوالي سنة على تعثر المفاوضات النووية مع إيران. ومنذ ذلك الوقت، يبدو أنّ إدارة بايدن تقف مكتوفة الأيدي بينما ترى أنّ الحكام الملالي يطوّرون برنامجهم الخاص بالأسلحة النووية.
يقوم الملالي بتوسيع البرنامج بحرية، حيث قاموا بتخصيب اليورانيوم لتصل نسبة التخصيب الى ما يقارب من مستوى تصنيع الأسلحة النووية، كما تطلب إيران المساعدة من حليفتها روسيا من أجل تعزيز برنامجها النووي، وذلك لما افاده مسؤولون تابعون للمخابرات الأمريكية.
وفي مقابلة مع قناة الجزيرة، أشار وزير الخارجية الإيرانية السابق كمال خرازي (Kamal Kharrazi)، الى ما احرزته إيران من تقدمات كبيرة:
"لا يخفى على أحد أنّنا أصبحنا دولة شبه نووية. هذه هي الحقيقة. ولا يخفى على أحد أنّنا نمتلك الوسائل التقنية لإنتاج قنبلة نووية...في الماضي، تمكننا خلال أيام قليلة فقط من تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، ومن السهل أن ننتج اليورانيوم المخصب بنسبة 90%."
وتزوّد إيران روسيا بالطائرات المسيّرة الهجومية التي تستخدمها روسيا في أوكرانيا، كما تستعد إيران لتسليم الصواريخ البالستية. وجراء ذلك، ليس من الغريب أنّ الجمهورية الإسلامية تطلب شيئاً من روسيا مقابل تسليم هذه الأسلحة.
أصدرت الحكومات الفرنسية والألمانية والبريطانية هذا الشهر بياناً مشتركاً لمجلس ادارة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وصفوا فيه الوضع بأنّه "خطير جداً"، وقالوا:
"تستمر إيران في تصاعدها النووي غير المسبوق. ويثير ذلك الكثير من الشكوك في طبيعة البرنامج النووي الإيراني الذي يهدد الأمن الإقليمي والدولي."
إنّ القادة الإيرانيين المشجَّعين والممكَّنين يعرقلون الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تراقب الأنشطة النووية للجمهورية الإسلامية والتزامها بالضوابط. ولا يزال النظام يوقف تشغيل كاميرات المراقبة التابعة للوكالة في المرافق النووية الإيرانية. ومن خلال هذا الإيقاف، يقوم النظام بمنع الوكالة من مراقبة أنشطته النووية عملياً، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم، مما أدّى الى اصدار بيان من قبل الاتحاد الأوروبي في الفترة الأخيرة. وجاء في هذا البيان:
"عبّر الاتحاد الأوروبي مراراً خلال السنوات الماضية ويعبّر من جديد اليوم عن مخاوفه الجدّية من وجود مواد نووية في مواقع غير معلنة في إيران. ويخشى الاتحاد الأوروبي أن لا تعلم الوكالة بمواقع هذه المواد النووية أو/و الأجهزة التي شابتها المواد النووية التي قد تكون موجودة في إيران اليوم.
"ودعا الاتحاد الأوروبي إيران ي مناسبات كثيرة الى تزويد الوكالة بالتوضيحات اللازمة بناءً على التعهدات التي نصّ عليها اتفاق الضمانات الشاملة. اتخذ مجلس الادارة قرارين في يونيو (حزيران) 2020 ويونيو 2022، داعياً إيران الى توضيح هذه المسائل المعلقة الخاصة بالضمانات. وخلال اجتماع المجلس في سبتمبر (أيلول) 2022، ركّزت 56 دولة على هذه الدعوة من خلال اصدار بيان مشترك. وعلى الرغم من هذه الدعوات المتكررة الى العمل، فإنّ إيران لم تقم بالإجراءات المطلوبة وتوفير ما يمكن تصديقه من التوضيحات التقنية."
كما أنّ النظام الإيراني يرفض الإجابة عن أسئلة الوكالة فيما يخص جسيمات اليورانيوم التي تم العثور عليها في ثلاثة من مواقعه النووية غير المعلنة. لقد اعترفت كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا بأنّ طهران "ليس لديها أي حاجة مدنية الى البحث في معدن الأورانيوم وتطويره وانتاجه، وتشكّل هذه الإجراءات خطوة مهمة في تطوير السلاح النووي."
لا يزال النظام الإيراني يزعم أنّ برنامجه النووي مصمّم من أجل غايات سلمية. ان كان هذا صحيحاً، فلماذا يرفض النظام التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولماذا أوقف تشغيل كاميرات الوكالة في مرافقه النووية؟
ولا تدل الأدلة وكلمات المسؤولين الإيرانيين على أنّ النظام يريد الحصول على الأسلحة النووية فحسب، بل على أنّه يستطيع ان "ينتج" قنبلة نووية اليوم أيضاً. بناء على ما استولت عليه إسرائيل في عام 2018 من وثائق عائدة الى "أرشيف نووي" في طهران، كشف معهد العلوم والأمن الدولي أنّه:
"نوت إيران أن تبني خمسة رؤوس حربية نووية، بحيث يكون كل واحد منها مجهزاً بعائد متفجر يبلغ 10 كيلوطن مع امكانية إيصاله من قبل الصاروخ البالستي...يتناول هذا التقرير وثيقة أخرى متوفرة من الأرشيف وهي توفر اطلاعاً مبكراً على مخططات إيران لتحقيق هدفها في تصميم خمسة أسلحة نووية وتصنيعها."
ومما لا شك فيه أنّ إدارة بايدن تفهم أنّ إيران، التي تسميها وزارة الخارجية الأمريكية "أسوأ دولة داعمة للإرهاب"، إن حصلت على أسلحة نووية، فإنّه من المحتمل أن تقع أسلحتها النووية في أيدي جماعاتها الوكيلة وميليشياتها، وتشاركها إيران في تقنيتها النووية. لقد أقام النظام الإيراني مصانع الأسلحة في الخارج وصنعت الصواريخ البالستية المتقدمة وأسلحة أخرى في بلدان خارجية، بما في ذلك سوريا.
ومما لا شك فيه أيضاً أنّ إدارة بايدن تفهم أنّ البلدان الأخرى في المنطقة لن تقبل بهذا التهديد الوجودي وستسارع الى الحصول على الأسلحة النووية: مما سيزعزع الاستقرار كثيراً.
الى أي مدى ستذهب إدارة بايدن في حماية ملالي إيران، والسماح لهم بقمع المتظاهرين المعارضين للنظام، والتواطؤ مع روسيا من أجل مساعدة إيران في الحصول على قدرات الأسلحة النووية؟
د. مجيد رفيع زاده (Majid Rafizadeh) خبير ومستشار في مجال تخطيط الأعمال التجارية ومن خريجي جامعة هارفارد، وباحث في العلوم السياسية، وعضو في مجلس إدارة صحيفة "هارفارد انترناشونال ريفيو" (Harvard International Review). وهو أيضاً رئيس المجلس الأمريكي الدولي المعني بالشرق الأوسط. وقد ألّف العديد من الكتب حول الإسلام والسياسة الخارجية الأمريكية. ويمكن التواصل معه عبر البريد الالكتروني على العنوان: dr.rafizadeh@post.harvard.edu