إنّ الصينيين ذوو ذاكرة طويلة جداً وشعور قوي بالتأريخ.
يا ليت الأمريكان كانوا يمتلكون هاتين الصفتين، حتى نستطيع أن نفهم بشكل أفضل بكثير المغبات الوخيمة لتعاطي المخدرات القاتل الذي يضرّ بأميركا وينتج عن الكميات الهائلة من الفينتانيل (fentanyl) المميت الذي يجري تهريبه الى بدلنا، وتعود أصوله كثيراً ما الى مختبر صيني.
يعلم الصينيون جيداً أنّ إدمان المجتمع للمخدرات قد يفكّك بلداً معتزّاً، حيث يجرّده من سيادته. لمّا تم جلب الأفيون الى الصين في القرن الثامن عشر، استغلّ البريطانيون بسرعة هذا المخدر ليكسبوا ميزة اقتصادية على حساب شريكهم التجاري. انتشر إدمان المخدر لدرجة أنّ الإمبراطور الصيني حاول في النهاية أن يمنعه. ولما دمّرت قواته العسكرية مستودعات مليئة بالمخدر، كانت ردة فعل البريطانيين عبارة عن شن هجوم بحري ساحق أصبح معروفاً بسلسلة من "حروب الأفيون."
حذت بلدان غربية أخرى حذو بريطانيا، ولكن إنكلترا هي الجهة التي فرضت معاهدة مذلّة على الصينيين، ويتبين أنّ حكّام الصين اليوم لم ينسوا أبداً ذلك السبب وتلك النتيجة.
لذلك تتميز الصين كبلد رائد في مجال صنع الفينتانيل على المستوى العالمي، بأنّها تقدّر كيف يستطيع مثل هذا المخدر أن يُخلّ باستقرار بلد ما.
بالفعل جرى نقاش هذه المسألة في مقابلة تم اجراؤها في الفترة الأخيرة مع السفير الصيني الشيوعي في أميركا قين غانغ (Qin Gang) الذي سرعان ما كان يذكّر مجلة "نيوزويك" (Newsweek) بأنّ الصين تعلم جيداً التأثير المدمّر للمخدرات غير المشروعة. ومما لا يثير الدهشة أنّه سارع الى نفي أي فكرة تفترض أنّ صناعتهم للفينتانيل كانت طريقتهم في "رد الجميل" الى البلدان الغربية.
قال للمراسل إنّ الصين خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر "قررت أن تمنع المادة لتنقذ شعبها واقتصادها، وشن البريطانيون حرب الأفيون التي شكّلت بداية قرن من الإهانة للصين حيث اتسم بسلسلة من المعاهدات غير المتساوية وأمواج من الاعتداءات الغربية. ويتم الشعور بتداعيات التاريخ حتى يومنا هذا. في ظل هذه الآلام الكبيرة المتأصلة في ذاكرتنا الوطنية، فإنّه من المفهوم أن يكون عداء الصين للمخدرات أشد من عداء أي بلد آخر لها، ويثبت ذلك في موقف عدم تسامحها على الإطلاق مع جميع المخدرات، فضلاً عن تدابير الرقابة الصارمة والعقوبة القاسية. وبفضل هذه الجهود، ليست المخدرات مستوطنة في الصين."
قد يُفترض أنّ السفير كشف أكثر مما كان ينوي أن يكشفه.
قالت الصين قولاً وعملاً إنّها تنوي أن تستعيد ما تعتبره دورها التاريخي كقوة عظمى عالمية. بيد أنّ استخدام القوة العسكرية قد يبدو خياراً جذاباً، إلا أنّ أخطاء فلاديمير بوتين في أوكرانيا أثبتت أنّ الأمور لا تسير دائماً وفق الخطة. ومن خلال ادخال المخدرات المسببة للإدمان والمخلّة بالاستقرار، والتحالفات مع المليارديرين الكبار الذين لا يعرفون الولاء لوطن وإنّما الولاء لأرباحهم، يمكن للصين ببساطة أن تنتظر وترى كيف تتطور الأحداث.
كما لاحظ قين في مقابلته، أدّى انزلاق الصين نحو تعاطي المخدرات على مستوى البلد قبل أكثر من مئتين سنة الى "قرن من الإهانة." ويبدو أنّ تلك التجربة مترسخة في وعيهم الوطني، حيث يعلمون جيداً قوة الإدمان كسلاح على المستوى الوطني. ونظراً لذلك، قد لا يكون تجّار المخدرات والوسطاء الإجراميون الذين يروّجون الفينتانيل إلا الجنود المفيدين لجهة أخرى في إطار خطة أكبر لإعادة تعريف القوة العالمية الغالبة لبقية القرن الحالي.
يعمل لورينس كاديش في مجلس الإدارة التابع لمعهد جيتستون.