إنَّ إدراك قادة أوروبا المتأخر لأوجه القصور في قدرتهم على الدفاع عن القارة ضد المزيد من الأعمال الإرهابية المتأثرة بأفكار الإسلاميين أمر مرحَّب به، وفي نفس الوقت، طال انتظاره. في الصورة: المستشار النمساوي 'سيباستيان كورتس' (Sebastian Kurz) والرئيس الفرنسي 'إيمانويل ماكرون' (Emmanuel Macron) يحضران قمة تتناول التدابير اللازم اتخاذها على مستوى القارة الأوروبية للتصدي للهجمات الإرهابية الأخيرة. (مصدر الصورة Michel Euler/Pool/AFP عبر Getty Images) |
مرة أخرى، كشفت موجة الأعمال الإرهابية المتأثرة بأفكار الإسلاميين، والتي ضربت أوروبا في الآونة الأخيرة، أوجه القصور المؤسفة في قدرة أجهزة الأمن الأوروبية على توفير الحماية الكافية لمواطنيها.
ففي الحالات الثلاث جميعا - الهجمات التي شهدتها باريس ونيس وفيينا - ظهر واضحا أنَّ المسؤولين عن ارتكاب هذه الهجمات لهم صلات بالشبكات الجهادية العالمية التي أخفق مسؤولو الأمن الأوروبيون في اكتشافها.
وبالإضافة إلى ذلك، أثارت قدرة بعض المتورطين في هذه الهجمات على السفر بسهولة عبر القارة الأوروبية مرة أخرى شواغل بشأن الضوابط المتراخية المطبَّقة على الحدود في أوروبا، على النحو المحدَّد في اتفاق شنغن الخاصة بالاتحاد الأوروبي، وقدرة الجهاديين المتطرفين على استغلالها.
ففي الهجمة الأخيرة التي شهدتها العاصمة النمساوية فيينا في 2 تشرين الثاني/نوفمبر، تبيَّن أنَّ المسلَّح البالغ من العمر 20 عاما، والذي قتل أربعة أشخاص وأصاب 22 آخرين بجراح قبل أن تُرديه رصاصات رجال الشرطة، قد سافر إلى سلوفاكيا المجاورة في تموز/يوليو لشراء الذخيرة.
وكان ذلك بعد إطلاق سراح الإرهابي المسؤول عن هذه الجريمة الفظيعة 'كويتيم فايزولاي' (Kujtim Fejzulai) من السجن في كانون الأول/ديسمبر، بعد أن قضى ثلثي مدة سجنه بموجب حكم قضائي بالسجن لمدة 22 شهرا لمحاولته الانضمام إلى تنظيم 'داعش' في سوريا.
وفي حين لا تزال وزارة الداخلية النمساوية تصرُّ على أنَّ المسلح قد تصرَّف بمفرده، هناك شكوك بأنَّه كان على اتصال بمتطرفين في مناطق أخرى من النمسا وسويسرا المجاورة. وعلى الرغم من أنَّ 'فايزولاي' كان مدرجا في قائمة للمراقبة يتعهدها مكتب حماية الدستور ومكافحة الإرهاب، فإنَّ ذلك لم يمنعه من السفر إلى سلوفاكيا لشراء الذخيرة.
وقد أثار الهجوم الذي شهدته مدينة نيس في فرنسا أسئلة مشابهة بشأن مدى فعالية قوات الأمن الأوروبية، حيث تبيَّن أنَّ الإرهابي المشتبه في ارتكابه عمليات القتل قد وصل إلى المدينة على متن قطار من إيطاليا، التي كان قد وصلها من تونس بعد أن التقطته إحدى منظمات الإغاثة الإنسانية من البحر المتوسط.
كما ظهرت بعض التقارير التي تشير إلى أنَّه في حالة قتل المدرس الفرنسي 'صامويل باتي' (Samuel Paty)، الذي قُطعت رأسه خارج مدرسته في إحدى ضواحي باريس الشهر الماضي بعد أن كان قد عرض على تلامذته رسمين كاريكاتيريين يُظهران نبي الإسلام 'محمد' في إطار مناقشة مسألة حرية التعبير، فإنَّ الإرهابي الشيشاني المسؤول عن هذه الجريمة كان على اتصال بمقاتل إسلامي في سوريا قبل تنفيذ الهجوم.
وأفادت صحيفة 'لو باريزيان' (Le Parisien) الفرنسية بأنَّه قبل وقوع جريمة القتل، كان 'عبد الله أنزوروف' (Abdullakh Anzorov) على اتصال بمقاتل جهادي يتحدث الروسية في سوريا لم تُحدَّد هويته بعد، حُدِّد موقعه عن طريق تتبع عنوان بروتوكول الإنترنت الذي استخدمه إلى إدلب، أحد معاقل الجهاديين في شمال غرب سوريا.
كما ذكرت محطة تلفزيونية فرنسية أنَّ القاتل، الذي وصل إلى فرنسا في عمر السادسة بصحبة أبويه وحصل على حق اللجوء وإقامة تنتهي في عام 2030، قد اتصل بذلك الجهادي للمرة الأولى في أيلول/سبتمبر عبر تطبيق 'إنستاغرام'.
وفي رسالة صوتية مسجَّلة باللغة الروسية، قال 'أنزوروف' عقب ارتكاب جريمته إنَّه قد "انتقم للرسول" الذي صوَّره 'باتي' بطريقة مهينة. ووسط إشارات إلى القرآن والدولة الإسلامية، أضاف 'أنزوروف': "أيها الإخوة، ادعوا الله أن يقبلني شهيدا".
وفي وقت لاحق، أجرى مسؤولو الأمن الفرنسيون عمليات لتوقيف من يُشتبه في كونهم من المتطرفين الإسلاميين على مستوى البلاد، في الوقت الذي أمر فيه الرئيس الفرنسي 'ماكرون' بغلق أبواب أحد المساجد في العاصمة باريس، يُقال إنَّ له صلات بالجماعة الإرهابية الفلسطينية 'حماس'. وقال 'ماكرون' إنَّ مسؤولي الأمن الفرنسيين يعتقدون أنَّ "جماعة الشيخ ياسين" (Cheikh Yassine Collective)، التي سُميت بذلك الاسم تيمُّنا بأحد زعماء حركة 'حماس' القتلى، ينبغي أن تُحل لأنَّ السلطات الفرنسية لديها معلومات تفيد بأنَّ الجماعة "متورطة بصورة مباشرة" في الهجوم.
ويبدو أنَّ الطفرة المفاجئة في الهجمات الإرهابية قد دفعت بالقادة الأوروبيين، في هذه المرة على الأقل، إلى الاعتراف بأوجه القصور في قدرتهم على حماية أوروبا ضد الأعمال الإرهابية المستوحاة من فكر الإسلاميين.
وفي النمسا، دعا المستشار 'سيباستيان كورتس' أوروبا إلى تشكيل جبهة مشتركة لخوض ما أسماه "الحرب على الإسلاميين"، وقال إنَّه سيضغط من أجل تشكيل مثل هذا التحالف ضد الإسلام السياسي عندما يجتمع القادة الأوروبيون في لقاء قمة من المزمع عقده في وقت لاحق من هذا الشهر.
وفي حديثه إلى صحيفة 'دي فيلت' (Die Welt) الألمانية، علَّق 'كورتس' بقوله:
"أتوقع أن يُوضع حد للتصورات الخاطئة عن التسامح، وأن تدرك جميع دول أوروبا في النهاية مدى الخطورة التي تمثلها أيديولوجية الإسلام السياسي على حريتنا وطريقة الحياة الأوروبية".
وفي فرنسا، استجاب 'ماكرون' للهجمات التي شهدتها الأراضي الفرنسية بإطلاق دعوة لإجراء "ًإصلاحات عميقة" في اتفاق شنغن. وفي ظهور له برفقة وزيري الشؤون الأوروبية والداخلية هذا الأسبوع، أعلن 'ماكرون' التزام بلاده بمضاعفة عدد الحراس على حدودها من 2,400 إلى 4,800 بسبب التهديد الإرهابي المتفشي. وأضاف "نحن نرى بوضوح شديد أنَّ الأعمال الإرهابية يمكن بالفعل أن تكون بقيادة أشخاص يستخدمون تدفقات الهجرة لتهديد أراضينا".
إنَّ إدراك قادة أوروبا المتأخر لأوجه القصور في قدرتهم على الدفاع عن القارة ضد المزيد من الأعمال الإرهابية المتأثرة بأفكار الإسلاميين أمر مرحَّب به، وفي نفس الوقت، طال انتظاره. ويمكن القول بأنَّه دون وضع ضوابط أشد ورصد أكثر صرامة، سيعاني مسؤولو الأمن الأمرَّين في منع وقوع المزيد من المجازر المستوحاة من فِكر الإسلاميين في شوارع أوروبا.
'كون كوغلين' (Con Coughlin) محرر جريدة 'التليغراف' (The Telegraph) لشؤون الدفاع والشؤون الخارجية وزميل أقدم بارز في معهد 'جيتستون'.