تُعدُّ "إهانة الرئيس" جريمة في تركيا. وإذا أُدين شخص بتلك التهمة، يُعاقب بالسجن لمدة يمكن أن تصل إلى أربع سنوات - وقد تزيد هذه المدة إذا كانت الإهانة علنية. ووفقًا لما ذكره 'يامان أكدينيز' (Yaman Akdeniz)، أستاذ القانون في جامعة 'بيلغي' (Bilgi) في إسطنبول، فقد شهدت تركيا 66,691 تحقيقًا قضائيًّا بتهمة "إهانة الرئيس" منذ انتخاب الرئيس التركي 'رجب طيب إردوغان' في عام 2014، نتج عنها حتى تاريخه 12,305 محاكمات، ويبدو أنَّ هذه الأعداد "آخذة في التزايد". في الصورة: الرئيس التركي 'رجب طيب إردوغان' في اجتماع جماهيري في اسطنبول، تركيا في 18 أيار/مايو 2018. (مصدر الصورة Getty Images) |
بلغ تجريم "إهانة الرئيس" مستويات جديدة من التردي في تركيا في مطلع آذار/مارس من هذا العام، عندما تبادل أب وابنته الاتهامات بارتكاب جريمة "إهانة الرئيس" في سياق نزاع عائلي بينهما.
ووفقًا لما ذكره 'يامان أكدينيز' (Yaman Akdeniz)، أستاذ القانون في جامعة 'بيلغي' (Bilgi) في إسطنبول، شهدت تركيا 66,691 تحقيقًا قضائيًا بتهمة "إهانة الرئيس" منذ انتخاب الرئيس التركي 'رجب طيب إردوغان' في عام 2014، نتج عنها حتى تاريخه 12,305 محاكمات، ويبدو أنَّ هذه الأعداد "آخذة في التزايد".
وصرَّح 'أوزغور أكتوتون' (Özgür Aktütün)، رئيس رابطة خريجي علم الاجتماع، للصحيفة اليومية التركية'بيرغون' (BirGün) بأنَّه على الرغم من أنَّ تركيا "مجتمع من المخبرين" منذ عهد الإمبراطورية العثمانية، فإنَّ "من المدهش في الآونة الأخيرة مدى [تفشي] استخدام [البلاغات] بشأن كل مسألة".
وتُعتبر "إهانة الرئيس" جريمة وفقًا للمادة 299 من قانون العقوبات التركي الذي اعتُمد في عام 1926. وإذا أُدين شخص بتلك التهمة، يُعاقب بالسجن لمدة يمكن أن تصل إلى أربع سنوات - وقد تزيد هذه المدة إذا كانت الإهانة علنية.
وأكثر من مرة، انتقدت منظمة 'هيومن رايتس ووتش' (Human Rights Watch) هذه الممارسة. ففي تشرين الأول/أكتوبر 2018، قال 'بنجامين وارد'، القائم بأعمال مدير المنظمة في أوروبا وآسيا الوسطى:
"لقد أدانت المحاكم التركية آلاف الأشخاص في السنوات الأربع الماضية لا لتهمة سوى أنَّهم جاهروا بمعارضتهم للرئيس 'إردوغان'. وينبغي أن تتوقف الحكومة التركية فورًا عن هذا الاستخفاف بحقوق الإنسان، وأن تحترم حق المواطنين الأتراك والمقيمين في تركيا في حرية التعبير السلمي".
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تدعو فيها منظمة 'هيومان رايتس واتش' الحكومة التركية إلى الكف عن ملاحقة المواطنين والمقيمين في تركيا بتهمة إهانة الرئيس. ففي مقال نُشر في عام 2015 بشأن هذا الموضوع، كتبت المنظمة:
"كثيرًا ما يحتج مسؤولو الحكومة التركية بأنَّ الإهانات لا تدخل ضمن نطاق حرية التعبير. وطالما انتقدت هيئات عدَّة منها مجلس أوروبا، والمفوضية الأوروبية، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، إلى جانب مجموعات حقوق الإنسان في تركيا والعالم، هذا الموقف من جانب الحكومة التركية والقيود التي تفرضها على حرية التعبير. وقد أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان العديد من الأحكام التي تدين تركيا بانتهاك الحق في حرية التعبير الذي تحميه المادة 10 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان...
"ومنذ نهاية عام 2014، حقَّقت السلطات التركية، بإذن من وزير العدل التركي، في عدد كبير من القضايا، كان من بين المتهمين في بعضها أطفال. وانطوى عدد من تلك القضايا على فترات قصيرة من الاحتجاز السابق للمحاكمة... وكانت المحاكمات بتهمة الإدلاء بتصريحات شفوية، وفي حالات أخرى، توجيه الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي. وفي جميع الأحوال، لم يستخدم المتَّهمون العنف أو يحرِّضوا عليه".
وممَّا يدعو للسخرية المشوبة بالحزن أنَّ "إهانة الرئيس" واحدة من المسائل القليلة التي لا تمارس الحكومة التركية بشأنها أي تمييز على أساس الوضع الاقتصادي - الاجتماعي أو نوع الجنس أو الأصل العرقي. ففي الواقع، أخضعت الحكومة التركية أشخاصًا من جميع مناحي الحياة للتحقيقات والملاحقات القضائية بسبب ارتكابهم هذه الجريمة المزعومة، بما في ذلك طلاب في مدارس ثانوية. فعلى سبيل المثال، اعتُقل اثنان من المراهقين لفترة قصيرة وحوكما في عام 2015 بتهمة "إهانة الرئيس" في كلمتين أدليا بهما وشعارات استخدماها أثناء فعالية نُظمت في قونية.
وهناك أمثلة أخرى عديدة على أشخاص خضعوا للتحقيقات والملاحقة القضائية ورُفعت ضدهم دعاوى، بل وسُجنوا أيضًا بتلك التهمة. وتشمل تلك القائمة زعيم حزب 'الشعب الجمهوري' (CHP)، وهو الحزب المعارض الرئيسي في البلاد، والرئيس التنفيذي لبنك 'إتش إس بي سي' (HSBC) في تركيا، وأحد مذيعي الأخبار في قناة 'فوكس' (Fox News) الإخبارية في تركيا، واثنين من الممثلين المشهورين، وقاضٍ سابق، ومواطن يبلغ من العمر 78 عامًا.
وهناك آخرون تعرَّضوا لعقوبات مختلفة بنفس التهمة، منهم نائب الرئيس السابق لحزب 'الشعوب الديمقراطي' (HDP)، والذي يقضي عقوبة بالسجن لمدة ثمانية عشر شهرًا؛ وعضو آخر في نفس الحزب فقد مقعده البرلماني بنفس التهمة في العام الماضي؛ بالإضافة إلى 'أحمد سيفير' (Ahmet Sever)، وهو متحدث باسم الرئيس التركي السابق 'عبدالله غُل' (Ahmet Sever)، الذي ألَّف كتابًا قال فيه: "إنَّنا نقف في مواجهة حكومة، أو على وجه الدقة في مواجهة رجل يرى أنَّ الكتب أكثر خطورة من القنابل".
ويمكن القول بأنَّ استخدام 'إردوغان' للمادة 299 من قانون العقوبات التركي كأداة لتخويف معارضيه تكتيك فعَّال للغاية: فإذا كان بمقدوره أن يُحاكم شخصيات بارزة مثل 'سيفير' لأنَّه تجرَّأ على انتقاد الحكومة، فهل لدى المواطنين العاديين فرصة لممارسة حقهم في التعبير عن أنفسهم؟ ومع ذلك، فإذا كان 'إردوغان' يعتقد أنَّ إسكات أبناء شعبه بهذه الطريقة أسلوب ناجح يساعده في البقاء ممسكًا بزمام السلطة، فربما لا يأخذ في حسبانه أنَّ أعدادًا متزايدة من الأتراك تشعر بالإحباط والغضب.
وفي الوقت الذي يواصل فيه 'إردوغان' سجن أي شخص يعارض حكمه، لا يزال يلعب لعبة مزدوجة مع الغرب، في إطار محاولته التي دامت عقودًا طويلة ليصبح عضوًا في الاتحاد الأوروبي. وربما تكون خطته من أجل تحقيق ذلك هي السبب الذي دفع وزير العدل التركي إلى أن يعلن في كانون الأول/ديسمبر أنَّه سيكشف عن استراتيجية جديدة للإصلاح القضائي في البلاد. وينبغي ألا ينخدع الاتحاد الأوروبي بهذه الحيلة المكشوفة. وبدلاً من ذلك، ينبغي أن يطالب الحكومة التركية بالكف عن ملاحقة الأبرياء - بما في ذلك الأشخاص الذين لم يرتكبوا جريمة سوى انتقاد 'إردوغان'.
'أوزاي بولوت' صحفية تركي وزميلة أقدم بارزًا في معهد 'جيتستون'. وهي حاليًا مقيمة في واشنطن العاصمة.